حماس اليوم ليست حماس الـ 2009 . (1) فبعد العدوان الإسرائيلي على غزة, طويت صفحة المقاومة المسلحة, بل وأظهرت الحكومة الحمساوية في غزة تشددا وقدرة على ضبط أمن الحدود أثارت إعجاب واشنطن, (2) وفي خضم الربيع العربي – الأمريكي, لم تعد حماس, موضوعيا, جزءا من الحلف الإيراني السوري اللبناني, بل انتقلت, كليا, إلى المحور الجديد الصاعد على أكتاف الإنتفاضات العربية, المحور الأمريكي التركي الخليجي (خصوصا القطري) الذي يضمّ القوى الإسلامية (وخصوصا الإخوان) والليبراليين, (3) وقد نتج عن ذلك التقارب الموضوعي مع واشنطن, خط سياسي أمريكي جديد سوف يتبلور أكثر في الأشهر المقبلة, للاعتراف بحماس بوصفها طرفا مؤهلا للمفاوضات مع إسرائيل. وأولى إشارات ذلك الخط الأمريكي الجديد, الموافقة الإسرائيلية المفاجئة على صفقة تبادل الأسرى مع حماس التي قدمت, بدورها, تنازلات أساسية لإتمام تلك الصفقة, (4) ومن الواضح أن كل هذه التطورات تُحرج قيادة السلطة الفلسطينية, وقد تدفعها إلى محاولة التفاهم مع السوريين. وهكذا تنقلب التحالفات. ومما له دلالته أن الرئيس بشار الأسد, أبلغ وفدا أردنيا متضامنا, أنه رفض استقبال مشعل, بل وفاضل بين مجاهرة الفتحاويين بتخليهم العلني عن المقاومة ولجوئهم إلى خيار التفاهم مع واشنطن وتل أبيب وبين ‘ إدعاء’ حماس تبنيها خط المقاومة, بينما هي تتبع, فعليا, الخيار الفتحاوي نفسه. ورغم محاولات المكتب السياسي لحماس المقيم في دمشق للمناورة, فإن النظام السوري الذي استعاد بعض أنفاسه, لم يعد يخفي استياءه العميق من خالد مشعل ورفاقه وتحالفاتهم الإقليمية السائرة في طريق التفاهم مع الولايات المتحدة. ويتهم مسؤولون سوريون, الحمساويين, صراحة, بالتنكر للضيافة والحماية طوال العقد الماضي.
تحظى حماس في سورية بما هو أكثر من الوجود السياسي والإعلامي. ولذلك, ظلت تناور طوال الأشهر الماضية من الإنتفاضة السورية, لكنها وصلت الآن إلى طريق مسدود, وأصبحت مغادرتها لسورية (ولبنان) مسألة وقت. هل تكون القاهرة مقرها المقبل? حماس سوف تضيع في الحجم السياسي المصري, وبالنسبة لمكتبها السياسي سيكون أقرب إلى سفارة غزة في العاصمة المصرية, بمعنى انتقال الثقل الحمساوي إلى الداخل على حساب الخارج.
العودة إلى الأردن هي البديل الأفضل من وجهة نظر حماس الخارج; ففي الأردن كتلة فلسطينية تؤيد حماس التي تحظى بحليف محلي قوي ممثلا بالإخوان المسلمين.
هتافات الإخوان لرئيس الوزراء ( المصلح) عون الخصاونة, هي تعبير عن التقارب المتسارع بين عمان وحماس. وحين يكتمل هذا التقارب فصولا, ستكون جميع الملفات الداخلية قابلة للتسوية.
بالنسبة للسياسة الرسمية الأردنية, فهي ترى أنها تصطاد, بهذه التطورات, عدة عصافير بحجر واحد: (1) سوف تستعيد عمان دورها في الشأن الفلسطيني من خلال إعادة تأهيل حماس كقوّة تفاوض رئيسية, (2) وفي الوقت نفسه, فإن العلاقة الأردنية – الحمساوية, سوف تفتح الطريق لاستيعاب المعارضة الإسلامية وهيئاتها المتعددة, (3) وهو ما سيقود إلى تحسين العلاقات مع قطر (وبالتالي تسهيل انضمام الأردن الى مجلس التعاون الخليجي) وتخفف الضغوط الأمريكية الخاصة بالإصلاحات السياسية. فبالنسبة لواشنطن, فإن التفاهم مع الإخوان هو العنوان الرئيسي للإصلاح في هذه المرحلة.
فيما يتصل بالحراك الشعبي في المحافظات, هنالك اعتقاد لدى الدوائر الرسمية بأن توزير ممثلين عن العشائر سوف يخفّض حدته. وبذلك, تكون الأزمة قد انتهت!هل الأمور بهذه البساطة? سنرى.
(العرب اليوم)