لا يتمتع الملك الاردني عبد الله ببلاغة والده الراحل المشبعة بالطابع الشخصي، لكن افكاره اوضح ومطالبه اجرأ، خصوصاً حين يخاطب بالانكليزية الصحافيين الاجانب المعتمدين في عمان، على غداء عمل، عشية جولته الاولى في العواصم الغربية لتي تشمل بروكسل وبون ولندن وواشنطن وباريس وعواصم اخرى لم يعلن عنها بعد.وبصورة »عملية« ابلغ عبد الله الصحافيين، المواقف التالية: ان عمان وتل ابيب لم تتمكنا من استعادة »الثقة العميقة« في العلاقات الثنائية، بعد المحاولة الاسرائيلية الفاشلة لاغتيال احد قادة »حماس« خالد مشعل صيف العام 1997 التي »لو نجحت لسبّبت للاردن مشكلات داخلية جمة«. اي ان عمان لم تعد تثق بحرص تل ابيب على امن النظام الاردني، وامن تحالفاته الفلسطينية المتفاهم عليها ضمناً و صراحة. ان »اسرائيل هي وحدها القادرة على تحريك عملية السلام، والكرة باتت الآن في مرماها«. ولذلك تهتم عمان (والعواصم العربية الاخرى) بالانتخابات الاسرائيلية. وهي »تراقب وتنتظر لترى ما ستفعله الحكومة الاسرائيلية الجديدة«. في حال حصول تقدم على المسار الفلسطيني، فسنشهد انعكاساً (ايجابياً) شاملا في المنطقة و»عند تسوية القضية الفلسطينية، قلب الصراع، فان رد الفعل العربي سيكون مدهشاً«. »سوريا ستكون منفتحة على الاشارات الدالة على رغبة اسرائيلية حقيقية في تسوية الخلافات« بين دمشق وتل ابيب. »ولكن الامر يتطلب اثنين للحوار، ولذلك فان الامر يعتمد على ما اذا كانت الحكومة الاسرائيلية المقبلة ستلتزم، حقيقة، تسوية المسائل العالقة، عند ذلك سنشهد تصرفاً مسؤولا جداً من سوريا ومن الدول العربية الاخرى«. »في حال جلس الاطراف الى مائدة واحدة، وتحاوروا مباشرة فيمكن إحلال السلام في غضون شهر«. »هناك ضرورة للتحرك بسرعة لانه كلما منحنا معارضي السلام وقتاً اطول كلما زادت صعوبة تحقيق السلام«. »عندما يحل السلام والاستقرار، فسيتجه الجميع نحو الاستثمار في المنطقة. ويجب (عندها) نزع سلاح المتطرفين«. الاردن يطالب بشطب 50 في المئة من ديونه البالغة سبعة مليارات دولار. ومطالبته تقوم على (1) موقع الاردن الحيوي بالنسبة للاستقرار في الشرق الاوسط و(2) التزام الحكومة الاردنية بمطالب المجتمع الدولي من حيث »اعادة البناء« على اساس برنامج الخصخصة خلال عامين بما في ذلك تصفية القطاع العام وتقليص عدد العاملين في القطاع الحكومي، »ولذلك فان الاردن لا يريد اعادة جدولة ديونه بل شطب نصفها على الاقل« وسيطرح هذه القضية في اجتماع الدول الصناعية السبع قبل نهاية هذا الشهر ويصرّ على مطالبه حتى تحقيقها.وهكذا فإن عبد الله يتابع من حيث الجوهر سياسات والده الراحل، سوى انه يحددها بصراحة، محتفظاً لنفسه بمسافة حرة للتحرك في منطقة »ستشهد تغييرات جذرية في المستقبل القريب«.ولم يفصح عبد الله عن ماهية هذه »التغييرات الجذرية«، ولكن من الواضح انه يعوّل عليها، ويريد ان يكون قادراً على التعامل المرن معها.وعبد الله متفائل، وتفاؤله ينصبّ على احتمالين: حكومة »سلام« في تل ابيب، واستجابة غربية اقتصادية لدور الاردن السياسي في المنطقة. وهذان هما بالضبط رهانا والده الراحل اللذان ظل متمسكاً بهما بالرغم من الاحباطات المتكررة.ولن يمر وقت طويل قبل ان يواجه عبد الله، الإحباطات نفسها. فإسرائيل »القادرة وحدها على تحريك العملية السلمية« ستفرض سلاماً رديئاً او اقل رداءة، ولكن بشروطها التي لا تساعد على الاستقرار، وبالتالي جلب الاستثمار الاجنبي، اذا كان العائق الوحيد امام هذا الاستثمار حقاً هو العائق السياسي. وفيما يتصل بشطب الديون او نصفها او بعضها… فليس ذلك وارداً، ليس فقط لان الاهمية السياسية للدور الاردني تتضاءل، ولكن ايضاً، لان شطب الديون غير الرسمية عن دولة ما (ومعظم ديون الاردن من بنوك تجارية وهيئات مالية) يهز مؤسسة الدين على المستوى العالمي. وهو امر غير مسموح به. ويبقى ان الملك الاردني الشاب لا يستطيع ان يطبق برنامج الخصخصة خلال سنتين من دون اثارة معارضة داخلية واسعة قد لا يستطيع مواجهتها.