اتجاهات… في الضفة والقطاع******ثمة، دائما، تحفظات منهجية وعملياتية، على استطلاعات الرأي، وخصوصا حول القضايا المتحركة، تحد من صوابية الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها. ولكن الارقام التي قدّمها احدث استطلاع للرأي في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 (اجراه »مركز القدس للاعلام« ونشرت نتائجه الاسبوع الماضي) هي من الحدة، وحول قضايا اساسية، بحيث نستطيع، مع الاخذ بالاعتبار التحفظات التقليدية، ان نستنتج منها اشارات دالة على ثلاثة اتجاهات رئيسة تسيطر على الشارع الفلسطيني تحت الاحتلال، وهي:1 الاتجاه نحو اسلام تقليدي، اي غير جهادي، يمثّل، على الارجح، الاسلام الخليجي.2 الاتجاه نحو تأييد »العملية السلمية« والسلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات.3 الاتجاه نحو تراجع معارضة الارتباط بالاردن.ويؤيد حوالي 80 في المئة من فلسطينيي الضفة والقطاع، تطبيق الشريعة الاسلامية في الدولة الفلسطينية المأمولة، بل ان حوالي 64 في المئة منهم قالوا انهم سيؤيدون السلطة الفلسطينية اكثر اذا ما بادرت الى تطبيق »الشريعة«، بينما تمسك حوالي 16 في المئة منهم فقط بالقانون المدني العلماني. واذا ما استثنينا المسيحيين (بين 8 و10 في المئة من السكان) استطعنا ان نتصوّر مدى الضعف الذي آلت إليه القوى العلمانية الفلسطينية التي كان لها، حتى أواخر السبعينيات، سيطرة شبه كاملة على مجتمعها.وينبغي ان لا يذهب بنا الظن الى ان وجود اغلبية تؤيد تطبيق الشريعة الاسلامية، يؤشر الى وجود تيار اسلامي جهادي قوي بين الفلسطينيين، فحركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة الجهاد الاسلامي لا تحظيان سوى بثقة 7،14 في المئة و6،2 في المئة على التوالي من شارع اسلامي الهوى، ما يعني ان التيار الاسلامي المتزايد القوة في الضفة والقطاع هو تيار تقليدي بالأساس، ولا يرتبط، الا جزئيا، بالتيار الاسلامي الجهادي، بالرغم من هذا التيار، على الساحة الفلسطينية، ليس سوى تطوير جهادي معتدل لتجربة الاخوان المسلمين، وليس تيارا جذريا كما هو الحال في بلدان عربية عديدة.وفي هذا السياق نفسه، نلاحظ ان 56 في المئة من الفلسطينيين يرفضون »العمليات العسكرية« للرد على استحقاقات سياسية و5،66 في المئة منهم يرفضون، على الخصوص »العمليات الانتحارية«، وكلاهما اسلوب »حماسي«.مع عرفات… ولكنويؤيد 7،63 في المئة من الفلسطينيين »العملية السلمية« الجارية، وفي »حال وصول امكانية تحقيق هدف انشاء الدولة الفلسطينية الى طريق مسدود«، فإن 56 في المئة منهم يؤيدون »استمرار التفاوض مع اسرائيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه«.وما يزال رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات يتصدر قائمة الشخصيات السياسية التي يثق بها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، حيث حصل على ثقة 7،38 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم، مقابل 5،9 في المئة للمرشد الروحي ل(حماس) الشيخ احمد الياسين، و1،6 في المئة للزعيم الديموقراطي التقليدي حيدر عبد الشافي.واعتبر 62 في المئة من الفلسطينيين ان اداء السلطة الفلسطينية جيد، بالرغم من عدم ثقتهم بالنظام القضائي الفلسطيني.وبلغت نسبة الذين يؤيدون حزب السلطة، حركة »فتح«، 6،37 في المئة، بينما حصلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 2 في المئة فقط، وقوى المعارضة الاخرى على ارقام لا تذكر.وبالنتيجة، فإن التيار العام في الضفة والقطاع، هو تيار عرفاتي، ولكن بالمعنى العام للتوصيف، حيث ما يزال 8،45 في المئة من المسجونين يؤيدون العودة الى الكفاح المسلح التقليدي (مقابل معارضة 8،39 في المئة) و3،53 في المئة يؤيدون العودة الى الكفاح الشعبي »الانتفاضة« (مقابل معارضة 4،42 في المئة).ويشدّد 46 في المئة من الفلسطينيين على اولوية قضية القدس، و8،30 في المئة على قضية مجابهة الاستيطان اليهودي و8،14 في المئة على قضية اللاجئين، ما يعني ان التأييد الذي يمحضه الشارع الفلسطيني للسلطة الفلسطينية ورئيسها، ما يزال مشروطاً.الارتباط مع الاردنفي عقدي السبعينيات والثمانينيات، كانت نسبة الذين يؤيدون الارتباط مع الاردن من فلسطينيي الضفة والقطاع، تدور حول 2 في المئة، وهي نسبة تعبّر عن شريحة ابناء »العائلات« الهاشمية الهوى وكبار موظفي العهد الاردني، اكثر مما تعبّر عن اتجاه سياسي.وحتى اليوم، فإن 59 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم في الأراضي المحتلة، ما يزالون يرفضون الارتباط مع عمان، ولكن مؤيدي ارتباط كهذا اصبحوا يشكلون، بلا ريب، تياراً لا يستهان به، فنسبة الذين قالوا نعم للارتباط مع الاردن، وهي 7،34 في المئة، تشير، حتما، الى وجود قاعدة اجتماعية سياسية واسعة نسبيا تدعم العلاقات الوحدوية مع شرق النهر، وهذه النسبة (باستثناء نسبة مؤيدي تطبيق الشريعة) لا تقل كثيرا عن النسب التي حظيت بها التيارات والافكار الاساسية الاخرى، في مجتمع يفتقر الى الاجماع.ولا يعطي الاستطلاع، للاسف، تفاصيل تتعلق بالمناطق التي جرى فيها، ولكننا نستطيع ان نتوقع، بالنظر الى العلاقات التاريخية والمتشعبة التي تربط الضفة الغربية بالاردن، ان معظم مؤيدي الارتباط معه ربما كانوا منها، ما يعني ان نسبة هؤلاء في الضفة الغربية تزيد، حتما، عن النسبة الاجمالية المعطاة (5،34 في المئة) فهل يمكننا، والحالة هذه، ان نتصوّر ان مشروع اقامة دولة فلسطينية مستقلة في غزة مقابل ارتباط الضفة الغربية بالاردن، ربما في صيغة كونفدرالية تضم الجميع، هو مشروع قد لا يجد معارضة قوية في الشارع الفلسطيني؟.