الاعتذار عن »القسطنطينية«*******هل كان العراق على خطأ عندما دخل الكويت وضمها؟هذا هو السؤال الكبير الذي باتت القيادة العراقية مستعدة للتوصل، ب»الحوار بين الاخوة« الى »اجابة موضوعية« عليه، بل وللتعاطي مع النتائج المترتبة على هذه الاجابة »مهما تكن«… او، على الاقل، هذا ما صرح به وزير الخارجية العراقية محمد سعيد الصحاف لصحيفة مصرية قد تكون »استدرجته«، وقد يكون زل به اللسان، ولكن من يستبعد ان السؤال ربما يكون مطروحا في اوساط القادة العراقيين؟… وأن يكون العراق، في الثاني من آب العام 1990، اخطأ في حساباته فهذه حقيقة مؤكدة منذ هزيمة شباط العام 1991 القاسية كأنما تمت »الخطوة التاريخية الكبرى« من دون حسابات على الاطلاق، ولكن السؤال يتناول الخطأ من حيث المبدأ لا من حيث الوسائل او التوقيت او القدرات… فهل ان القيادة العراقية مستعدة حقا للاعتراف بهذا »الخطأ« بالذات؟.اذا حدث ذلك، فهي اذن تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل آلام العراق والعراقيين في عقد التسعينيات، المحولة حتى الآن، في الوعي العراقي والعربي، الى سياق الصراع بين »الفكرة المطلقة« للأمة واعدائها. ففي هذا السياق، ظهرت القيادة العراقية، بالرغم من كل اخطائها الفاحشة وخطاياها المميتة وقد انتدبت نفسها لتمثيل تلك الفكرة، عندما اجتاحت حدود التجزئة، وطرحت الامكانية التاريخية اقله على مستوى المعنى »لعودة الفرع الى الاصل«… و»بترول العرب للعرب«.في قراءة وعي العراقيين هذا الاحساس الصلب بأنهم يمثلون الامة، وان الرئيس صدام حسين يمثلهم، ما يجعل التعايش مع الآلام والجوع والدكتاتورية ممكنا. فصدام حسين لا يحكم العراق، منذ الثاني من آب العام 1990، بالقمع… او للدقة بالقمع وحده، ولكن، اساسا، بشرعية الفكرة التي تشد إليها الملايين من المتعطشين الى الشرعية القومية من المحيط الى الخليج.وعندما انسحب الجيش العراقي من الكويت من دون ان تتاح له فرصة القتال، ومن دون ان توفر له قيادته فرصة الانسحاب المنظم، ومن دون ان تكون له اي ترتيبات تحميه من الموت المجاني، كان الرئيس صدام حسين يضع الامر كله في سياق »الفكرة«، ويقول »لم يفتح المسلمون القسطنطينية من الجولة الاولى«.وعندما صمد بعدها، وواصل الحرب الباردة ضد الخليج و»الامبريالية«، كان دائما يؤكد »الفكرة« اكثر مما يظهر من كفاءة، ويخوض معركته على مستوى الوجدان القومي حيث لا غالب الا الله، وحيث لا تستطيع مقاتلات الشبح ان تقصف المعنى، وحيث تعجز صواريخ »كروز« عن تدمير الروح.ولا ريب ان الحلف الاميركي الخليجي يدرك ان الرئيس العراقي يخوض معركته على أرض الوجدان، وانه، على هذه الأرض، قادر على البقاء والصمود في مواجهة معارضة بلا وجدان، وعدوان يحرق الناس ولكنه لا ينال من المعنى. ولذلك، كان الخليجيون بمن فيهم الاماراتيون يطالبون بغداد دائما بالاعتذار عن »غزوها« الكويت، بوصفه (هذا الاعتذار) مقدمة لمصالحة لن تتم… لان شرطها اذا تحقق، سوف يلغي طرفها الثاني: النظام العراقي.اذا اعترف الرئيس صدام حسين بأنه اخطأ باجتيازه الحدود الكويتية، فستسقط »شرعيته«، ويتساوى مع معارضيه وأعدائه، وعندها تصبح اللعبة صغيرة الى هذا الحد، فلن يحميه القمع في الداخل، ولن يأسف عليه عربي، وستعتبره القوة الدولية »الصديقة« شيئا من الماضي.