المعارضة الأردنية: مسؤوليات وتفاؤل وقلقأهو ربيع جديد؟******كتب ناهض حتّر:»أظنه سينجح! سينجح«. هكذا تنبأ رئيس الوزراء الأردني الاسبق طاهر المصري لرئيس الوزراء الاردني الحالي عبد الرؤوف الروابدة. وهي نبوءة فيها مجازفة كبيرة امام رتل من رؤساء الحكومات الأردنية الذين فشلوا، في التسعينيات، فشلا ذريعا، ليس فحسب في التعامل مع الأزمات الاردنية العديدة والمعقدة، ولكن في تأمين فرصة الاستمرار في الحكم لأكثر من 15 شهرا.وكان المصري يتحدث في كواليس المؤتمر القومي العربي التاسع الذي عقد في بيروت، الاسبوع الماضي، وكان مناسبة للقاءات اردنية عديدة على هامشه.وضم الوفد الاردني الكبير الى المؤتمر، قوميين معتدلين، بعثيين وناصريين ومستقلين ورجالات دولة انتقلوا الى المعارضة بعد التوقيع الى المعاهدة الاردنية الاسرائيلية العام 1994.وباستثناء اسلامي واحد (ليث شبيلات) ويساري واحد (فخري قعوار) فلم يكن في »الوفد« ممثلون للحركة الاسلامية او اليسار او الحركة الوطنية الاردنية. ومع ذلك، ولأن المعارضة الاردنية تكاد تكون موحدة في اتجاهاتها الرئيسية، فقد كانت كواليس فندق »الكارلتون« في بيروت، فرصة للتداول وتبادل الآراء والمعلومات حول »البلد«، ربما لا تتيحها كواليس عمان.وعندما استضفنا في »السفير« ستة من أعضاء الوفد الاردني (سليم الزعبي، فخري قعوار، مرضي القطامين، فايز شخاترة، زياد الزعبي، وبسام ابو غزالة) كان الحوار معهم، وفي ما بينهم، واضح المحاور والدلالات وموجزاً كأنه خلاصة لمناقشات أخذت وقتها الكافي.{ فما هي عناوين هذه الخلاصة؟ لعلها ثلاثة: تعاظم الحس بالمسؤولية السياسية، والتفاؤل، والقلق.مسؤوليات جديدةالشعور الاول الذي ينتابك وأنت تحاور السياسيين الاردنيين، هو ميلهم (المستجد) للاعتدال. وكأن رحيل الملك حسين قد وضع المعارضة الاردنية امام مسؤوليات جديدة. فإذا كانت معارضة الملك حسين تتطلب صلابة وجذرية، مبعثهما اعتراف ضمني بمكانته وثقة ضمنية بقدرته، فإن المعارضين الاردنيين، وحتى اكثرهم راديكالية (ليث شبيلات) يشعرون الآن بمسؤولية مضاعفة حيال البلد، ويظهرون قدرا اكبر من التفهم للمعطيات الدولية والاقليمية، ويقترحون سياسات افضل في ظل الممكن.هذا الاعتراف »بالمصاعب« و»بالمشكلات الحقيقية« ليس ميلاً الى هدنة مع نظام هو الآن اضعف مما كان عليه، في اي وقت مضى في السنوات الثلاثين الاخيرة، وهو ما يعطي المعارضة فرصة اكبر للتشدد وعرض العضلات، بل هو ميل للتعامل مع هموم الدولة التي تواجه مخاطر عديدة، لا تكفي الشعارات، وحدها، للتصدي لها.ومن هنا، يركز سليم الزعبي على الادارة السليمة الكفوءة لموارد الدولة ومحاربة الهدر والفساد. ويلاحظ فايز شخاترة أن من غير الممكن إقامة علاقات متوازنة مع الخليج والعراق. ويستشهد بمثال الإمارات؛ بينما يلاحظ بسام ابو غزالة ان الوفد الحكومي الاردني الذي زار السعودية للبحث في المساعدات الموعودة للأردن، لم يعد »بملموسات«، ما يطرح على الحكومة الأردنية، مجدداً، إعادة التأكيد على العلاقات الاقتصادية مع العراق.على كل حال، فالمناقشة الدائرة تتم في الممكنات والملموسات: فأحمد عبيدات يعطي اهمية خاصة لتطهير الجهاز القضائي وتطوير القضاء، وليث شبيلات يعرض التعاون غير المشروط (من الطرفين) على العهد الجديد، ويطلب من الروابدة موقفاً من العراق يلتزم على الأقل بحدود القرارات الدولية! فيرفض منطقي الحظر الجوي، و»قانون تحرير العراق«، والعدوان.انها لهجة جديدة، فهل مبعثها شعور المعارضة الاردنية بالقوة، والقوة، عادة، معتدلة، ام ان غياب الملك حسين بالوفاة، وشقيقه الأمير حسن بالعزل، وضع السياسيين الاردنيين على محك المسؤولية؟التفاؤلرئيس رابطة الكتاب الاردنيين فخري قعوار، هو الذي وضع هذا العنوان: التفاؤل. يقول: »انا متفائل. ومن واجبنا جميعاً ان نتفاءل، وأن نوجه هذا الواقع بالاتجاه الذي نريده. التفاؤل إذاً يعني النضال، الضغط، المبادرة الايجابية، باتجاه تأكيد ارتباطنا بعمقنا الاستراتيجي في دمشق وبغداد، وفي مواجهة الذين يغذون السير نحو الولايات المتحدة وإسرائيل«.ويتابع »يعاني العهد الجديد من مصاعب عديدة، سياسية واقتصادية، داخلية وإقليمية، وهناك مطالب مطروحة عليه ربما يكون المطلب الديموقراطي أسهلها، وكذلك يجب ان ننتبه الى انه ليس من مصلحة العهد ان يبدأ بالمواجهة مع الشعب. وعليه فإنني أرجح استجابته للمطلب الديموقراطي (الأقرب منالاً) سواء لجهة الانفراج الداخلي او لجهة تعديل قانوني المطبوعات والانتخابات وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في أجواء تساعد على ظهور برلمان يمثل الأطياف السياسية«.القلقولكن مرضي القطامين ليس متفائلا. فهو يؤكد على الارتباط بين قضية الاردن ومستقبله وقضية العراق ومستقبله، ويلاحظ ان الوضع الاردني مؤجل في الاستحقاقات الاقليمية الى ان يتم حسم الوضع العراقي. من هنا، فإن العدوان على العراق ومآله، »يخيفني كأردني« مثلما يقلقني كعربي.وينبه زياد الزعبي الى خطورة تجاهل الآثار السلبية الممكنة على الاردن، جراء الضغوط الاسرائيلية على العهد. ويذكر بتصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إمكانية تجديد التحالف الاردني العراقي. انها رسالة تحذير تلاها الضغط في موضوع المياه. وستليها ضغوط اخرى لمنع العهد الجديد من التحرك نحو المصالحة الداخلية او العربية وإغلاق الهوامش. »وينبغي ان لا نستهين بهذه الضغوط ونتائجها«.على ان القلق الأساسي يظل كبيراً بالنسبة للجميع، من وجود رئيس الوزراء السابق عبد الكريم الكباريتي في رئاسة الديوان الملكي. وهو موقع مهم، وتزايدت اهميته بالنظر الى خبرات الملك عبد الله السياسية المحدودة.ويلاحظ فايز شخاترة ان وجود الكباريتي وهو حليف رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في أحد مواقع القرار الرئيسية، يجعلني غير مطمئن الى جدية التصريحات الرسمية التي ترفض حتى الآن المشروع الكونفدرالي الثنائي والثلاثي.الكونفدرالية ضرورية لعرفات للخروج من مأزق أوسلو. وهي ضرورية لإسرائيل لتشريع احتلالها للضفة الغربية وتحقيق مشروعها القاضي بتهجير القسم الأساس من مواطنيها الى الأردن، ومد النفوذ الاحتلالي إليه. عدا عن ان الكونفدرالية هي خطة اميركية بالأساس، وهي تمثل إطارا ملائما لحل معضلة »العملية السلمية« المستعصية. ان التصريحات والمواقف المعلنة شيء وما يحدث في الواقع شيء آخر، ولا اعرف متى ستحدث »النقلة النوعية« باتجاه الكونفدرالية. ولكن التسرب السكاني المستمر من الضفة الغربية الى الأردن، والعلاقات الفعلية على الأرض بينهما، ومشاريع ومصالح القوى الاقليمية والدولية، والمؤشرات الاخرى، كلها تقودني الى التخوف من ان الكونفدرالية ليست مجرد خطة على الورق.موسيقى مرحةفي إذاعة عمان، امس، موسيقى مرحة. لقد انتهى الحداد الرسمي على الملك الراحل. وصباح الحادي والعشرين من آذار يتلوّن بمباهج عيد الأم وذكرى معركة الكرامة البطولية (العام 1968). واجتماع هاتين المناسبتين (العزيزتين) معاً يهز عادة، مشاعر الأردنيين: فالأردن يولد.. ويقاتل، يحفزه شوق عارم الى ربيع جديد.