عندما يصبح الجنرال جندياً!***»كجندي« امتثل ولي العهد الاردني المعزول، الامير حسن، »للتراتبية في العائلة المالكة«. هذا ما تناقلته وكالات الأنباء عن »مسؤول اردني كبير«. تجاهل ان هذا »الجندي« كان للتو جنرالاً، وشريكاً في القيادة، بل ومرشحاً، منذ 33 عاماً، للموقع الاول في »التراتبية الملكية«. وعندما يتحوّل جنرال، »راضياً«، الى جندي، فستحار القيادة بشأنه، ماذا تفعل به. وإذا كان هو قادراً على كظم غيظه، فسيحار إزاء ما سيفعل بنفسه.لأسبوع مضى ظلت اخبار عمان بلا تواقيع، فلا احد يسمي نفسه من بين »الأوساط المطلعة« و»المقربين« و»المسؤولين الكبار« الذين سرّبوا »المعلومات« والتحليلات الى الصحافة، وسرّبوا معها، بالطبع، آراءهم ورغباتهم، بحيث ظهرت في النهاية، صورة غائمة تماماً. وعلى أي حال، فإذا كان الامير قد امتثل »كجندي«، فلا شيء يمنع، حسب »مصادر« اخرى، انه »يشعر بالمرارة« و»يفكر بمغادرة البلاد«. وإذا كان الملك حسين قد تجاوز العتبة الصعبة، واتخذ قراره الكبير، فليس مستبعداً، كما تقول »أوساط سياسية«، انه انشغل، بعد قراره، في كيفية تأمين »خروج مشرّف« لشقيقه، مدفوعاً، بالطبع، بعواطف خاصة، ولكن أيضاً، حسب »الأوساط« نفسها، »خشية حدوث انقسام في العائلة المالكة والبلاد«.الملك حسين (63 عاماً) يكبر شقيقه الامير حسن (51 عاماً) باثنتي عشرة سنة. ولكنهما كانا اشبه بتوأمين، وربما كانا، في لحظات صعبة عديدة، وحيدين في مواجهات كبرى، وشريكين متضامنين. وعلى مدى ثلاثة عقود انيطت ب»ولي العهد« مهمات ثابتة، كانت مجال اختصاصه ونفوذه، في الشؤون الاقتصادية والتنموية والادارية والاكاديمية والعلمية والثقافية، بالاضافة الى المهمات المشتركة، السياسية والدبلوماسية، وعلى صعيد القوات المسلحة. وقد تطلب منه كل ذلك، عدا عن شغفه الثقافي، الانصراف الى العمل المثابر، وتحويل »ولاية العهد« الى مؤسسة كاملة لها سياساتها وخططها وأجهزتها وهيئاتها الرديفة مثل »الجمعية العلمية الملكية« و»المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا« و»منتدى الفكر العربي« وأكاديمية العلوم الاسلامية وهيئات ثقافية وشبابية اخرى. وبالرغم من اخطائه العديدة في التخطيط الاقتصادي وسوء تقديره في ما يتصل باختيار فريقه، وإلتزامه، بالطبع، سياسات النظام، فقد اعطى ولي العهد، الانطباع بأنه مشغول بتنمية البلاد وتحديث الدولة. ومما لا شك فيه، وربما كانت هذه ميزته الاساسية، انه نأى بنفسه عن العقلية الأمنية، مفضلاً الحوار الهادف الى »تجسير الفجوة بين اصحاب الفكر واصحاب القرار«.وإذا كان المثقفون الاردنيون يشعرون بالأسف لتنحية الامير حسن عن ولاية العهد، فليس لأنهم (او معظمهم) يتفقون مع آرائه، ولكن لأنهم كانوا قادرين على الاختلاف معه »من دون ثمن«، ويأملون في تأكيد هذا التقليد مستقبلا. وحتى بالنسبة للمعارضة، فقد كان الامير حسن يمثل الباب الوحيد المفتوح في قلعة النظام. وبحسب قيادي شيوعي اردني، فإن الحوار الذي بدأه الامير حسن مع احزاب المعارضة، في ايلول الماضي، وأشار خلاله الى امكانية مراجعة العلاقات مع اسرائيل، كان سبباً في عزله، بينما يكمن السبب الثاني، من بين أسباب اخرى، »في رعايته مؤتمر البرلمانيين العرب الذي انعقد في عمان، أواخر الشهر الماضي، وأدان العدوان الاميركي البريطاني على العراق«. ووصف الدكتور لبيب قمحاوي احد مساعدي رئيس الوزراء الاسبق، المعارض الآن، احمد عبيدات، في تصريح لتلفزيون »الجزيرة«، تنحية الامير حسن بأنها »خسارة كبيرة« وقال: »لقد استثمرنا في شخصه رأسمالاً وطنياً كبيراً«. وهو استثمار خسره النظام، مثلما خسرته المعارضة. وربما يكون البديل عنه، تطوير النظام الملكي الى ديموقراطية يكون فيها للبرلمان والحكومة الدور الاساس، وإلا فربما مرحلة قمعية تسبق ترتيبات كونفدرالية مع الفلسطينيين، في سياق ترتيبات إقليمية.وكان الامير حسن، بالرغم من انخراطه في العلاقات والمفاوضات مع الاسرائيليين والسلطة الفلسطينية، ملتزماً موقفين ثابتين: اعتباره الكيان الاردني نهائيا، وبالتالي رفضه اي صيغة كونفدرالية، وتعامله على اساس براغماتي حازم مع الاسرائيليين، ما حدا به الى »دعم« الليكود ضد المشروع الكونفدرالي لرئيس الوزراء الاسرائيلي العمالي شمعون بيريز؛ ومن ثم حسم العلاقة مع الليكود نفسه، في آذار 1998، عندما استخلص، بعد مفاوضات اجراها، حينذاك، مع قادة الحكومة الاسرائيلية في تل ابيب، انه ليس لدى هؤلاء ما يقدمونه للأردن سوى العلاقات الأمنية. ومذ ذاك، تبنى الامير حسن وجهة نظر تقول بالمراجعة الشاملة للعلاقات الاردنية الاسرائيلية. وهو ما ألمح إليه في خطاباته، واعرب عنه صراحة في حواراته مع السياسيين الاردنيين.كانت مشكلة الامير حسن الدائمة هي كثرة مهماته وقلة صلاحياته. حتى انه ليس في الدستور الاردني ما يشير الى صلاحيات خاصة بولي العهد. وكانت الحكومات الاردنية المتعاقبة تتعامل مع »توجيهاته« ودياً، بينما هي غير ملزمة بها او بمتابعتها. وكثيراً ما كان رؤساء الحكومات يتجاهلون، عمليا، هذه التوجيهات او يتجاهلون متابعتها مع الاعلان عن احترامها. وكان عبد الكريم الكباريتي الذي كلِّف رئاسة الحكومة في ربيع العام 1996، هو رئيس الوزراء الاردني الاول الذي يتحدى توجيهات ولي العهد بأعتبارها غير ملزمة، وتمثل تدخلا في شؤون الحكم والحكومة من غير صاحب حق. وربما كانت »معركة« عزل الامير حسن، بدأت حين ذاك. واذا كان الكباريتي المحسوب على المعارض العراقي احمد الجلبي (الملاحق بتهمة الاختلاس في الاردن) والاوساط المالية والسلطة الفلسطينية، قد استطاع ان يحظى بتأييد ملكي، وان يقدم نفسه بوصفه رئيس حكومة قوياً، ومعارضا لتدخلات ولي العهد، فلأنه كان يستند الى مشروع إقليمي تراجع، أولاً، بسقوط شمعون بيريز في الانتخابات الاسرائيلية في حزيران 1996، وثانياً في ايلول من العام نفسه، بفشل المشروع الاميركي آنذاك لإسقاط النظام العراقي، بل واقتحام القوات العراقية معاقل »السي آي ايه« في شمال العراق. وثالثاً »بإنتفاضة الخبز« في آب 1996، التي جمعت كل قوى المعارضة الاردنية، القومية اليسارية والعشائرية، ضد سياسات حكومة الكباريتي، فسقطت حكومته، وسقط معها مشروع تولية نجل الملك حسين الرابع من عقيلته نور الامير حمزة، ولاية العهد، ليؤكد الامير حسن، مرة اخرى، انه »باقٍ« وليحظى، هذه المرة بصورة واضحة، بتعاطف المعارضة الاردنية، على أساس التفاهم ضمنا على ثلاثة هي (1) رفض الكونفدرالية (2) الحرص على العلاقات الاردنية العراقية (3) الحوار. وفي ما بعد… مراجعة العلاقات مع اسرائيل.وفي تموز الماضي، حين غادر الملك حسين الى مستشفى مايو بالولايات المتحدة، ليعالج من سرطان العقدة اللمفاوية، اثارت القوى المناوئة للامير حسن، مرة اخرى، قضية ولاية العهد. وربما كان دافعها، الى الجوانب السياسية، مخاوفها من وراثته الحكم، وبالتالي، تصفيتها. وعندها اظهرت قوى شعبية وسياسية بما فيها المعارضة، تأييدها للامير في هذه المعركة، إلا انه، بتردده، اوهن عزائم القوى المؤيدة له، ومكّن مناوئيه من الاصطفاف وتنظيم حملة انتهت بعزله.ولكن الملك بحسابه الجيد للتناقضات، لم يذهب بعيداً مع هؤلاء، فلم يول الامير حمزة، بل نقل ولاية العهد الى نجله الاكبر، الامير عبد الله. وهو ما يتوافق مع رغباته الشخصية، ويفسح، في المجال، ايضا امام اكثر من خيار سياسي، ما دام ان ولي العهد الجديد، غير محسوب على أي من الفريقين المتصارعين.وبطبيعة الحال، يظل ولي العهد المعزول، بحجمه المحلي والاقليمي والدولي، ماثلا. وربما يجد ان الحل الامثل لهذه المشكلة يكمن في إقامته خارج البلاد، فلا هو قادر على ان يكون جنديا في »التراتبية الملكية« ولا جنرالا في »التراتبية الشعبية« وماذا يستطيع ان يفعل بملفي »الاقتصاد« و»الشرق الأوسط« اللذين يريد الملك حسين اناطتهما به، وقد غدا الآن معزولا عن كل سلطة، دستورية او فعلية، بينما هذان الملفان، بالذات، يحتاجان كل السلطة؟هل يتصالح الامير حسن مع نفسه، بالتفرغ للبحث والتأليف، لا سيما وانه متخرج من جامعة اكسفورد، وصاحب عدة مؤلفات منها: »دراسة قانونية حول القدس« (1979) و»حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره« (1981) و»السعي نحو السلام« (1984) و»المسيحيون العرب« (1997) بالاضافة الى اتقانه الانكليزية والفرنسية والى حد ما، الالمانية والتركية والعبرية.