أولا من المفروض ان العلاقات الاردنية الفلسطينية في بُعدها الخارجي، قد جرى تحديدها على أساس فك الارتباط عام 1988، والاعتراف الأردني بالدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس، وان قيام هذه الدولة فعلا، ونيلها السيادة والاستقلال بدون قيد ولا شرط، هما مقدمتان لازمتان للبحث في اي صلة وحدوية، فدرالية او كونفدرالية، بين الكيانين الأردني والفلسطيني.ثانيا وبناء عليه، فان مواطني الضفة الغربية، لم يعودوا مواطنين أردنيين منذ 1988.ثالثا ان اتفاقات اوسلو، بالرغم من كل النقد الصحيح الموجه اليها، قد اكدت، من جديد، حق ابناء الضفة الغربية وغزة النازحين منهما بعد 1967، بالعودة الى أرض وطنهم. أما ممارسة هذا الحق فما تزال معلقة.رابعا يوجد في الأردن حوالى مليوني فلسطيني من (1) اللاجئين الذين تجاهلتهم اتفاقات أوسلو، (2) والنازحين الذين ما يزال الاحتلال »الاسرائيلي« يمنع تمتعهم بحق العودة، (3) وأبناء الضفة الغربية الذين يستطيعون العودة، ولكنهم يعيشون في الأردن بصورة طوعية. وجميع هؤلاء مواطنون أردنيون.خامسا من البديهي ان تحفيز كل من يحق له العودة من فلسطينيي الأردن على ممارستها، والنضال الجدي المثابر لتأمين عودة جميع اللاجئين والنازحين الى أرض وطنهم، هما من المهام الوطنية الاساسية والملحة.سادسا الى ذلك، فان فلسطينيي الاردن، هم مواطنون أردنيون، وتأمين حق معظمهم بالعودة ليس مما هو متاح في المدى المنظور، كما ان قسما وفي ما نظن القسم الاساسي من فلسطينيي الاردن، يفضلون المواطنة الاردنية والعيش في الأردن، بدليل ان هناك حوالى ثلاثمئة ألف فلسطيني ممن يحق لهم الاقامة في الضفة الغربية، ولكنهم يفضلون الاقامة في الاردن، كما ان هناك حوالى 67 ألف فلسطيني من مواطني الضفة الغربية وغزة، فضلوا سنة 1996 وحدها، الحصول على جواز سفر أردني، بالرغم من انهم يستطيعون الحصول على جواز سفر فلسطيني.سابعا ان الحقوق المكتسبة لفلسطينيي الاردن، سواء أكانوا لاجئين او نازحين، ليست، بالنسبة إلينا، موضع تساؤل. ولكننا نعتقد، بالمقابل، ان أي وطني مخلص، ينبغي عليه ان يرفض، تحت اي ذريعة، شيئين هما: (أ) تسهيل اقامة مواطني الضفة الغربية وغزة، ممن يستطيعون العودة وقتما يشاؤون في الأردن، و(ب) منح مواطني الضفة الغربية وغزة، جواز السفر الاردني، لأن مآل ذلك هو تفريغ الأرض المحتلة من سكانها، وتحويل الأردن، بالفعل، الى وطن بديل.ثامنا ينشأ عن هذا كله، ضرورة قيام إجماع وطني في الأردن (أردني فلسطيني) على تحديد معايير واضحة وثابتة ونهائية للمواطنة الاردنية. وان السؤال: من هو الأردني، اصبح الآن السؤال التأسيسي لاعادة بناء الاندماج الوطني. وهذا السؤال ليس موجها ضد فلسطينيي الاردن، ولكنه موجه ضد مشروع الوطن البديل، ويهدف، لا الى اخراج فلسطيني الأردن من المواطنة الأردنية بل الى الحيلولة دون تهجير الفلسطينيين من فلسطين وبلدان الشتات الاخرى، الى الأردن، وهو ما معناه إقامة وطن قومي للفلسطينيين، ولكن شرقي النهر.تاسعا والآن، اذا تم الاتفاق بين جميع المواطنين الاردنيين بغض النظر عن أصولهم على معايير ثابتة ونهائية للمواطنة الاردنية، بحيث يتحدد، مرة واحدة والى الأبد، من هو الأردني بمن في ذلك الأردني من أصل فلسطيني ومن هو الفلسطيني، او بعبارة اخرى، مَن من الفلسطينيين أردني، لاستطعنا ان نتوصل الى إطار أولي للاندماج الوطني.عاشرا في إطار ما سبق، فان هناك حقيقة ينبغي الاعتراف بها، ولا يؤدي طمسها او معالجتها بالمجاملات، إلا الى زيادة فعاليتها. وهذه الحقيقة هي ان المجتمع الاردني يعيش انقساما حادا بين الكتلتين الرئيسيتين اللتين يتكون منهما، وهما الكتلة الأردنية والكتلة الفلسطينية. وهذا الانقسام عميق وفاعل، لأنه يقوم على أساس اجتماعي ثقافي لا على طارئ سياسي، وان كان كل طارئ سياسي يشحنه ويقويه: فالكتلة الاردنية، هي كتلة ريفية بالأساس، وتتركز قواها العاملة في الوظيفة الحكومية والعامة. وما كان مردود هذه الوظيفة مجزيا وذا هيبة وامتيازات، ظل الاردنيون الذين اسعفتهم، في السبعينيات والثمانينيات، الأموال الناجمة عن بيع أراضيهم الموروثة لتحسين اوضاعهم، راضين سياسيا، ولكن الانهيار الاقتصادي في نهاية الثمانينيات، وتحول الموظفين الى بروليتاريا، وانتقال ملكية القسم الاساسي من الاراضي الى البورجوازية، كل ذلك أدى الى تململ سياسي عريض وعميق في صفوف الاردنيين، تجلى في نيسان 1989 وآب 1996 وشباط 1998، بصورة واضحة. وبالمقابل، فان الكتلة الفلسطينية في الاردن هي كتلة مدينية وبورجوازية ومنفتحة على الخارج، وأقل ارتباطا بالداخل. وهذا لا يعني ان جميع الفلسطينيين في الاردن هم بورجوازيون. بالعكس، فان معظم الفلسطينيين في الأردن هم متوسطو الحال او كادحون او فقراء. ولكن، مع ذلك، ينبغي التأكيد على: (أ) ان فلسطينيي الاردن بعامة اكثر قدرة على المناورة الاجتماعية والاختيار بين بدائل متاحة، (ب) وان العقلية المسيطرة بينهم هي العقلية البورجوازية، (ج) وان البورجوازية في الاردن، بل والبورجوازية الصغيرة (التجارية والمهنية) هي ذات طابع فلسطيني. وتتركز القوى العاملة للكتلة الفلسطينية في الاردن في أنشطة القطاع الخاص، وقد حققت، بعامة، مستوى معيشيا أعلى من نظيرتها الاردنية. وان سياسات الاصلاح الاقتصادي لا تضير أغلبية الفلسطينيين. وهي، على العكس، تعطي فئات عديدة منهم، مزايا جديدة. وهذا هو الاساس في ان الجمهور الفلسطيني في الاردن تحول من المعارضة الى الموالاة، وعلى المستوى السسيو ثقافي يشعر الفلسطيني، بقوة، بالانتماء الى العصبية الفلسطينية.حادي عشر: ان سياسات الخصخصة الجاري تنفيذها بسرعة وعلى نطاق واسع، من شأنها ان تزيد، اكثر فأكثر، حدة الانقسام الاجتماعي الثقافي بين الكتلة الاردنية والكتلة الفلسطينية، من حيث انها تضاعف تهميش الكتلة الاولى وإفقارها، وتعزز مكانة الكتلة الثانية ودورها. واذا ما ترافقت هذه السياسات مع سياسات التوطين التي من شأنها مضاعفة الكتلة الفلسطينية عدديا وكل الدلائل تشير الى ذلك فسنكون أمام توفير كل عناصر نشوب الحرب الاهلية. ولكن هذه النتيجة المشؤومة ليست حتمية بالطبع، اذا ما توفرت الارادة النضالية المخلصة نحو إيجاد حل سلمي ديموقراطي للانقسام الاردني الفلسطيني، على أساس برنامج وطني شعبي يكفل اعادة الاندماج، او على الأقل، إدارة العيش المشترك، سلميا وديموقراطيا.ثاني عشر: وأول شيء يجب عمله من اجل تجاوز الانقسام الحاصل وأخطاره القادمة، هو فتح باب الحوار العلني الديموقراطي بين المثقفين والسياسيين وقادة الرأي من الكتلتين. وهو حوار ينبغي له ان يستبعد، ابتداء، تبادل الاتهامات والتجريح والإثارة وكل أشكال الارهاب الفكري، والالتزام بقواعد الحوار الديموقراطي، وبروح المسؤولية الوطنية ازاء بلدنا ومجتمعنا وشعبنا: ان الاوساط البيروقراطية الاردنية تميل، عادة، الى اتهام كل ناشط فلسطيني مستقل عنها، »بازدواجية الولاء«، بحيث ترهبه وتُخرس صوته، بينما تميل البورجوازية الفلسطينية الى اتهام كل ناشط أردني مستقل عنها، »بالاقليمية«، بحيث ترهبه وتخرسه. ونعتقد ان هذا الجو الاتهامي ينبغي له ان يزول، لمصلحة الحوار الجدي. فالاحتجاجات الاردنية هي، في الواقع، احتجاجات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وليست »اقليمية«. وبالمقابل، فلا بد من الاعتراف بأن لفلسطينيي الاردن علاقات طبيعية متعددة مع فلسطين والشأن الفلسطيني لا يمكن وليس من المصلحة بترها، او استخدامها للتشكيك بالولاء الوطني للفلسطينيين. ان الأردنيين يقفون، اليوم، بصورة عامة، في خندق المعارضة الوطنية، بينما نجد فلسطينيي الاردن، بعامة، يقفون في خندق الموالاة، بالرغم من انهم يحتفظون وهذا شيء طبيعي بارتباطاتهم الفلسطينية. فالأمر، إذاً، في حقيقته الجوهرية، لا يتعلق بالموقف الاخلاقي، بقدر ما يتعلق بالموقف الاجتماعي، ولا يرتبط بالأصل »الاقليمي« بقدر ما يرتبط بالموقع الفعلي في حقل الصراع الاجتماعي الدائر. ولذا، فقد نعتبر البورجوازيين الاردنيين، »فلسطينيين«، بينما نعتبر الكادحين الفلسطينيين، »أردنيين«، وذلك من وجهة نظر النضال ضد مشروع الوطن البديل.ثالث عشر: كيف نتجاوز الانقسام؟اننا ندخل حوارا، ولذا، فلن نطرح برنامجنا للحل، بل نمضي الى نصف الطريق، ونقترح التفاهم والاتفاق على جملة نقاط أساسية، تشكل إطارا للحوار من أجل تجاوز مأساة الانقسام الوطني في بلدنا. وهذه النقاط هي:1 تحديد معيار واضح وثابت ونهائي للمواطنة الاردنية، بحيث يتم إقفال الباب امام التوطين والوطن البديل، ومن ثم تحديد عناصر الحوار الوطني. ونعتقد ان ذلك يستلزم إجماعا وطنيا على فك اشتباك المواطنة بين الضفتين، بحيث يجري وقف منح الجواز الاردني والجنسية الاردنية لمواطني الكيان الفلسطيني، بمن فيهم أولئك المقيمون في الاردن بعد 1988، ويستطيعون العودة الى الكيان الفلسطيني.2 الاعتراف المتبادل: بأن الأردن ليس جزءا من فلسطين، وان قسما من الفلسطينيين، هو لأسباب تاريخية موضوعية، جزء من الشعب الاردني، بلا تمييز من اي نوع.3 الاعتراف بالأصالة التاريخية للكيان الاردني المتكون منذ القرن التاسع عشر، وبأن كل اندماج وطني ينبغي ان يخضع للاشتراطات، الاجتماعية والسياسية والثقافية لهذا الكيان.4 الاعتراف بالطابع الاجتماعي الاقتصادي للانقسام الوطني، وبناء عليه، النضال من اجل إبطاء الخصخصة، ووقفها، وتعزيز القطاع العام، واعادة تأهيل الشرق أردنيين للاندماج في السوق، بما في ذلك توجيه الاستثمارات الاساسية نحو الريف، ووقف انتقال الأراضي، الى البورجوازية، واعادة توزيع الثروة الوطنية على أسس العدالة الاجتماعية.5 الاعتراف بالحقوق المكتسبة للمواطنين الاردنيين من أصل فلسطيني، في ظل الاعتراف بالسيادة الكاملة للشعب الاردني من حيث هو شعب واحد، ذو هوية وطنية واحدة، لا باعتباره شعبا »من شتى المنابت والأصول«.