»ليس الحفاظ على الدول بالكلام« ميكافيللي تعصف بالأردن، منذ 1993، ازمة كيانية، قادته وتقوده من سيء الى اسوأ، وتنذر بانحلاله وضياعه. وبدون التصدي لهذه الازمة المتفاقمة، تظل الجهود المبذولة لمواجهة الأزمات الفرعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية، بلا جدوى.في صيف ذلك العام، 1993، تم الاعلان عن اتفاقات اوسلو. وكانت تلك صدمة كبرى ادت الى انهيار الموقف السياسي الاردني انهيارا شاملا، مما مكن قوى الكمبرادور من الانفراد بالحكم، وتنفيذ برنامجها القائم على أساس الخضوع للمتطلبات الاسرائيلية، بدون قيد ولا شرط، باعتبار ذلك البديل الوحيد لإنقاذ الدور الاردني. وتأمين الاندماج بالسوق العالمية، وبالتالي تخليق فرص استثنائية للنمو الاقتصادي، بما يؤمن السيطرة على الاحتقانات الاجتماعية، ويسمح بإعادة هيكلة البيت الاردني.كان هذا البديل نوعا من حلم يقظة. ولكن الانهيار السياسي الذي شل القرار السياسي الاردني من جهة، وأجواء التفاؤل الاعلامي الذي تلا الاعلان عن أوسلو من جهة اخرى، جعلا ذلك الحلم يبدو ممكنا. فكان القرار بالصعود الى القطار الاسرائيلي بأي ثمن.لقد حققت حركة فتح، في أوسلو، انتصارا، بدا حاسما، على النظام الاردني. فالصراع الدامي بين »فتح« وعمان حول تمثيل الشعب الفلسطيني، انتهى بانتصار »فتح«. صحيح ان القمة العربية عام 1974، كانت قد اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، »ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني«، وان هذا الاعتراف أخذ يحصل، مذ ذاك، على تأييد دولي متعاظم، الا ان حسم الامر كان يتعلق، في التحليل الاخير، بالقرار الاسرائيلي. فتل أبيب، امام العجز العسكري العربي، ومتمتعة بالدعم والحماية من الولايات المتحدة الاميركية، كانت، وما زالت، صاحبة الامر والنهي فىما يتصل بالضفة الغربية وغزة المحتلتين، وبأي حل للقضية الفلسطينية يراد تطبيقه على الارض. وباعتراف تل أبيب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للشعب الفلسطيني، وجد النظام الاردني نفسه في حالة يائسة فالدور الاردني في الشأن الفلسطيني لم يعد مطلوبا، وصارت عمان خارج اللعبة، تعيش مشاعر الخذلان، وتتوقع التهميش السياسي. وامام الاندفاعة الفلسطينية الناجمة عما بدا كونه شراكة اسرائيلية فلسطينية، لا على المستوى الفلسطيني فقط، بل وعلى »المستوى العربي«، عاشت عمان كابوس انقلاب الادوار.ومع ذلك، فمن وجهة نظر أردنية متماسكة وشجاعة، كانت لحظة اوسلو. لحظة خيارات مفتوحة، فالصفقة الفلسطينية الاسرائيلية، خلقت المناخ السياسي والنفسي الملائم لمتابعة قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الصادر عام 1988، حتى النهاية وبالتالي، تحقيق الانفصال عن الشأن الفلسطيني، وهو انفصال ضروري من اجل اعادة تأسيس الدولة الاردنية على أساس التمحور على الذات الوطنية والقومية.إعلان »الاردنيين من أصل فلسطيني«، لاجئين ونازحين، وطرح مسألة هويتهم السياسية وضرورة عودتهم، بالإضافة الى استكمال الاجراءات الدستورية لقرار فك الارتباط، وتعديل القوانين الناجمة عن توحيد الضفتين، وبصورة خاصة، قانون الجنسية.. وإجراءات اخرى في السياق نفسه، كانت تكفل ما يأتي: (1) استئصال المعطيات السياسية والقانونية والمادية التي تمكن »فتح« من القيام مستقبلا، بدور في الاردن (2) تأمين الضغط السياسي الكافي لعدم تجاهل عمان في التسوية النهائية.وبطبيعة الحال، كان هناك البديل السوري اللبناني. ان الائتلاف السياسي مع دمشق ضد اوسلو، كان سيؤمن للأردن موقعا عربيا راسخا، بما في ذلك المصالحة مع السعودية، وفي الوقت نفسه تطوير وتعزيز العلاقات مع بغداد. وكان ذلك كله، سيتم في إطار مدريد، واستراتيجية »السلام الشامل«، اي بمعنى آخر في إطار الاستراتيجية الاردنية المعلنة حتى ذاك.صار هم عمان هو التوصل سياسيا، الى معاهدة سلام مع اسرائيل، بأي ثمن، مما فرض على المفاوض الاردني تقديم تنازلات جذرية واسعة، في الارض والمياه والتبادل التجاري مع الاراضي المحتلة.. الخ، وتجاهل القضايا الرئيسة مثل حقوق اللاجئين والنازحين المقيمين في الاردن، وأسلحة الدمار الشامل، والتعويضات.. الخ.وبذلك، تم التوصل الى معاهدة »وادي عربة« التي تشكل، في جوهرها، إعلانا سياسيا للتعاون والصداقة بين عمان وتل أبيب، بينما تقوم، فنيا، على جملة من الالتباسات التي تتضمن كل التنازلات الاساسية التي أرادتها تل ابيب التي، من موقع القوة، استخدمت معاهدة »وادي عربة«، لتحقيق اغراضها الامنية والسياسية والاقتصادية، ضاربة عرض الحائط بالمطالب الاردنية.بالرغم من التوقيع على معاهدة »وادي عربة«، بقي اتجاه رئيس في الحكم الاردني، متخوفا من التحالف بين حزب العمل الحاكم، آنذاك، وبين منظمة التحرير الفلسطينية. وقد دفعه ذلك الخوف الى مد يده الى المعارضة الاسرائيلية الليكودية التي فازت، لاحقا، في الانتخابات في حزيران 1996. مما كان موضع ترحيب وتفاؤل لدى ذلك الاتجاه الذي تبلور، فيما بعد، بتشكيل حكومة الدكتور عبد السلام المجالي.لقد ساد الاعتقاد في عمان، آنذاك، بأن العلاقات الخاصة التي تربط الحكومة الاردنية بالحكومة الاسرائيلية الجديدة (الليكودية) ستؤدي الى ما يلي:(1) عودة الدور الاردني على المسار الفلسطيني من باب الوساطة بين حكومة الليكود والسلطة الفلسطينية.(2) تنفيذ سلسلة من المشاريع المشتركة، على أساس المقترحات الاردنية، بما يؤمن تحريك السوق ودفع العجلة الاقتصادية المعطلة في البلاد.(3) فتح الأسواق الفلسطينية امام الصادرات الاردنية، بما يؤمن سوقا بديلا من السوق العراقية شبه المغلقة.(4) وبالتالي، تأمين التوازن، وربما التفوق، سياسيا، على السلطة الفلسطينية، واحتواء نتائج اوسلو، أردنيا.وكان هذا التصور المتذاكي إمعانا في حلم اليقظة، بينما الواقع شيء آخر.حزب الليكود، واليمين الاسرائيلي بعامة، يملك ازاء الأردن ايمانا ايديولوجيا بسيطا، وهو ان الاردن تم »انتزاعه« من »الوطن القومي اليهودي« عام 1921. وهكذا، فبالنسبة لليمين الاسرائيلي، فان تقسيم فلسطين حدث منذ ذلك التاريخ.وفي اليمين الاسرائيلي اتجاهان. متطرف يريد »تحرير« الضفة الشرقية (نهر الاردن له ضفتان: الاولى لنا والثانية لنا ايضا). ومعتدل يريد تهجير كل العرب من فلسطين غرب النهر، الى حيث »دولتهم« شرق النهر.وهذا الاتجاه »المعتدل« اصبح مقبولا من قبل أوساط حزب العمل، ونذكر بتصريحات احد زعمائه، حاييم رامون، بأنه اصبح يقبل افكار بنيامين نتنياهو وآرئيل شارون حول الاردن، معتبرا ان هذا البلد، »سوف يتحول في غضون بضع سنوات الى دولة فلسطينية«.ان الحل الذي يراه معظم السياسيين الاسرائيليين واقعيا وقابلا للحياة وقادرا على تأمين المصالح الاسرائيلية والامن الاسرائيلي، يستبعد وجود الدولة الاردنية.. فما بالك بتعزيزها ومساعدتها على اعادة بناء دورها واقتصادها؟!وابتداء من الاسرائيليين الموافقين على قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وانتهاء بدعاة التهجير منهم فان الحل الجوهري للقضية الفلسطينية، بالنسبة اليهم جميعا، يقوم على حساب الاردن. والتصور الاسرائيلي الأساسي هو ان الأردن وحده او، في احسن الاحوال، كونفدرالية تجمع الأردن واجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، سيكون او تكون، المجال الحيوي لحل المشكل الديمغرافي والسياسي والاقتصادي الفلسطيني.وهذا التصور الاسرائيلي الثابت ينتهي الى نتيجة لا بد منها، وهي ضرورة إضعاف الدولة الاردنية باتجاه شطبها. لذلك وصفنا السياسة الاردنية الرسمية الطامعة بالحفاظ على الدور الأردني، وتعزيز الاقتصاد الاردني، بالاعتماد على اسرائيل، بأنها حلم يقظة.المضحك المبكي في الهرولة الاردنية الرسمية نحو السلام مع اسرائيل، هو ان هذا »السلام« ممكن بالرغم من المصاعب بين اسرائيل والأطراف العربية الاخرى، بما فيها الطرف الفلسطيني، ولكنه غير وارد، اسرائيليا، بالنسبة للأردن.فالأردن في المنظور الاسرائيلي زائد عن الحاجة وهو منذور من اجل تسديد الفاتورة الفلسطينية التي لا يمكن الاستمرار في تأجيل تسديدها الى ما لا نهاية. ولذا، فبقاء الاردن غير وارد في الحسابات الاسرائيلية. وهو ما يعطي لمعاهدة »وادي عربة«، بالرغم من انها مكتوبة حسب الإملاءات الاسرائيلية، طابعا مؤقتا، تكتيكيا. ففي المثلث الاسرائيلي الفلسطيني الاردني، حددت اتفاقات اوسلو، بصورة دائمة واستراتيجية، طرفي المعادلة المستقبلية. وهذا لا يعني، بالطبع، ان الاسرائيليين سيكفون عن امتصاص عرفات حتى آخر قطرة، ولكن العرفاتيين يظلون الطرف الذي اعتمدته اسرائيل من اجل الحل النهائي غير الممكن بدون شطب الكيان الاردني.هذه الحقيقة يعيها الحكم الاردني، ان لم يكن ب»عقله« فب»غريزته« السياسية. وربما يفسر هذا الاندفاعة غير المسبوقة، منذ 1994، نحو التطبيع والتعاون مع اسرائيل وهو ما قابلته تل أبيب بالبرود والتهرب من جهة، وترسيم صيغ واتجاهات ومديات التعاون، بالحد الادنى الضروري تكتيكيا، وبالدرجة الاولى، في المجال الامني الضروري استراتيجيا.لقد سبق لي ان وصفت العلاقة الاردنية الاسرائيلية، بأنها »حب من طرف واحد«. هناك عاشق مندفع، خائف، مؤمن بأن حياته وسعادته مرتبطتان برضى المحبوب الذي يلاطف العاشق بين حين وآخر، ولكنه لا يقبضه.. يقضي منه وطرا، ولكنه لن يعقد معه زواجا.لم تفعل اسرائيل شيئا، ولن تفعل لإعطاء عمان دورا على المسار الفلسطيني، وهي تعرقل، وستعرقل، اقامة علاقات طبيعية فعالة بين السوقين الاردنية والفلسطينية. ان الكمبرادور الفلسطيني في الضفة والقطاع، المرتبط عضويا بتمثيل المصالح الامنية التجارية الاسرائيلية هو شريك الاسرائيليين في المعازل الفلسطينية. وهذا الكمبرادور أشد عداء للوجود الاردني، السياسي او التجاري، في الضفة والقطاع، من الاسرائيليين انفسهم. والمطلوب، اسرائيليا، هو خنق الاردن، وإضعافه، وعزله عن عمقه العربي، وتحطيمه بالتالي. وهذه اهداف يتطلع اليها، بشوق، الكمبرادور الفلسطيني الذي يأمل باقتراب اليوم الذي يوسع فيه دائرة خدماته للاستعمار الاسرائيلي، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، بحيث تشمل الضفة الشرقية أيضا.لا تنظر اسرائيل الى الأردن بوصفه كيانا سياسيا دائما ترجو قيام صلات التعاون والتطبيع معه، كما ترجو ذلك مع مصر، وسوريا، ولبنان.. والأقطار العربية الاخرى. انها تنظر اليه بوصفه امتدادا لمناطق الحكم الذاتي، ومجالا حيويا للمعادلة الاسرائيلية الفلسطينية. الاردن، إذن، برسم الاحتلال، وبالتالي، برسم أوسلو.ومخطئ من يظن ان اتفاقات اوسلو »ماتت«! فهذه الاتفاقات ليست تقوم على »اعادة الانتشار« ونسبه، بل تقوم على الصفقة الاستراتيجية التي تمت بالفعل، بين تل ابيب والكمبرادور الفلسطيني، على المستويات الامنية والسياسية والتجارية. فمنذ خمس سنوات تقوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة »سلطة« على الشعب الفلسطيني، تنظم آليات التبعية الكولونيالية، أمنيا، بوساطة الاجهزة الامنية المدعومة بعشرات الآلاف من شرطة القمع والمخبرين، من اجل شل كفاح الشعب الفلسطيني، وتحطيم قواه المناضلة؛ وسياسيا، بتأمين التغطية الملائمة للاحتلال الاسرائيلي عربيا ودوليا، بوساطة المفاوضات المستمرة بالرغم من كل شيء، واقتصاديا، بوساطة طبقة كمبرادورية ذات نفوذ سياسي وأمني، تتولى الربط العضوي التبعي لمناطق الحكم الذاتي بالاقتصاد الاسرائيلي. وهو ما يفسر، مثلا، لماذا هبطت قيمة الصادرات الاردنية الى الضفة الغربية، بعد أوسلو، بصورة ملموسة؟!اليمين الاسرائيلي، بالطبع، وضمن استراتيجيته، يسعى الى الضغط المتواصل على الشعب الفلسطيني، بعرقلة أجندة اوسلو فيما يتصل »باعادة الانتشار« والتسهيلات الاخرى، وبالمطاردات الامنية، والاشتباكات والإغلاقات، هادفا الى دفع المزيد من سكان الضفة الغربية الى الهجرة شرق النهر. ان سياسات بنيامين نتنياهو وآرئيل شارون، لا تهدف الى إلغاء اوسلو (هل تتصوروا ان اليمين الاسرائيلي غبي الى هذه الدرجة؟) بل تهدف الى استخدام أوسلو من أجل تهجير الفلسطينيين، وكسر شوكة المقاومة الفلسطينية، وضم المزيد من الأراضي، وحسم مسألة القدس مسبقا.وينبغي، هنا، الاعتراف بأن هنالك انقساما حقيقيا بين »اليسار« واليمين الاسرائيليين حيال السلطة الفلسطينية، »فاليسار« يعتقد ان تعزيز السلطة الفلسطينية وتطويرها وتقويتها، يخدم المصالح الاسرائيلية بصورة اكثر فعالية فيما يتصل بالحل النهائي واعادة ترتيب »الشرق الاوسط« اسرائيليا، بينما يعتقد اليمين الاسرائيلي، المتصف بقصر النظر، ان المزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية، يحافظ اكثر على المصالح الاسرائيلية من حيث انه يكيّف هذه السلطة اكثر مع دورها الكمبرادوري الامني السياسي الاقتصادي، بما في ذلك الحصول على مكتسبات صغيرة لإرضاء اليمين المتطرف.ولكن »اليسار« واليمين الاسرائيليين معا، لهما استراتيجية واحدة في هذا السياق. انهما يؤمنان بأن الكمبرادور الفلسطيني وليس النظام الأردني هو »الشريك الاستراتيجي« في الحل النهائي، لأربعة أسباب موضوعية، اولها ان الكمبرادور الفلسطيني قادر، بامتلاكه اداة توسط مع الجماهير الفلسطينية هي حركة فتح، على تنظيم الامن بصورة فعالة في التجمعات الفلسطينية غرب النهر، ولاحقا شرقه. وثانيها، ان الكمبرادور الفلسطيني المنبثق و/او المستند الى حركة فتح قادر على تنظيم البورجوازية الفلسطينية كلها داخل الاراضي المحتلة وخارجها في سياق مشروعه السياسي الاقتصادي، ان لم يكن بوسائل اقتصادية، فبوسائل أمنية؛ وثالثها ان الكمبرادور الفلسطيني مليء ماليا، وقادر على التعبئة المالية على نطاق دولي، ورابعها ان الكمبرادور الفلسطيني المتماهي، سياسيا، مع السلطة الفلسطينية، وصاحب القرار الحاسم فيها، »متحرر« من كل الاعتبارات العربية والتقليدية والقيمية، وقادر ليس، فقط، على إسالة دم المعارضين، ولكن، ايضا، على الاستثمار في كازينوهات القمار.وكل هذه السمات ليست متوفرة في »الشريك الأردني«!و»الشريك الأردني« يضحك على نفسه: يدعي انه استرد حقوقه، استمرارا لنهج استرضاء اسرائيل بأي ثمن، وهو النهج الذي ادى الى معاهدة »وادي عربة« التي حرمت الاردن من حقوقه في مياه نهر الاردن، ومن قسم كبير من اراضيه المحتلة، ووضعت قيودا على سيادته على ما تم استعادته من اراض، ووضعت جانبا القضية الأرأس، وهي قضية اللاجئين والنازحين في الاردن، وحقهم في العودة والتعويض، وحق الأردن بالتعويضات الملائمة عن استضافتهم.. الخ. ويدعي انه يعزز علاقته بإسرائيل، حفاظا على الدور الاردني على المسار الفلسطيني. وهو دور يلح عليه الكمبرادور الفلسطيني، غرب النهر وشرقه، لعدة أهداف منها إشراك الأردن في التنازلات التي تقدمها السلطة الفلسطينية لإسرائيل تباعا، ولاستمرار ربط الأردن بالمعادلة الاسرائيلية الفلسطينية، وللحفاظ على تدفق المصالح الكمبرادورية عبر النهر، وعزل الأردن عن محيطه العربي، وإضعافه والاستفراد به، في إطار خطط الإلحاق الاسرائيلية. وفي هذا السياق، يدعي انه يؤثر، او يستطيع التأثير، على القرار الاسرائيلي بما يخدم السلطة الفلسطينية وهذا الادعاء يستوجب الابتسام اكثر مما يستوجب المناقشة والأمر، ان عمان التي تدعي بأنها قادرة على التأثير على تل أبيب، والضغط عليها، بما يخدم المفاوض الفلسطيني، تضطر، اخيرا، الى إرسال رئيس وزرائها الى واشنطن لكي يرجوها التأثير على اسرائيل.. من اجل حملها على الموافقة على فتح السوق الفلسطينية، امام الصادرات الاردنية، ولكن، هيهات، فالتحالف بين الرأسمال الاسرائيلي والكمبرادور الفلسطيني أغلق، وسوف يغلق هذه السوق، نهائيا، امام المحاولات الاردنية اليائسة. فالمطلوب ان يصبح الاردن نفسه، سوقا للصادرات والخدمات الاسرائيلية، يتولى أمرها، اي هذه السوق، الكمبرادور الفلسطيني المعترف به، منذ أوسلو، وكيلا عاما للرأسمال الاسرائيلي، تجاريا وسياسيا وأمنيا. ويقفز الى المجهول بعلاقات امنية مفتوحة مع اسرائيل، تهدد السيادة والأمن الوطنيين، وتقيم حاجزا بين الاردن وبين اشقائنا العرب، وخاصة في سورية والعراق. ويناصب دمشق العداء من خلال تطوير علاقات عسكرية مع تركيا في الوقت الذي تقيم فيه الاخيرة، حلفا عسكريا سياسيا مع اسرائيل يستهدف تحطيم سوريا، وتحجيم العراق، وفرض الهيمنة التركية الاسرائيلية على كامل المنطقة العربية. ويأمل من وراء ذلك، ان ينفذ من زاوية التحالف التركي الاسرائيلي، لكي يغدو شريكا، ولكن الامر ان اسرائيل ليست بحاجة الى هذا الشريك، بينما تركيا تحتاجه رمزيا فقط لأغراض تغطية تحالفها مع اسرائيل عربيا وإسلاميا.ان الحقيقة التي ينبغي ان تدركها السياسة الاردنية، وتبني بدائلها على أساس هذا الإدراك، هي ان اسرائيل اختارت، في أوسلو، »شريكها« وهي اختارته بناء على معطيات موضوعية تتعلق بمصالحها الاستراتيجية. وان الخلافات بين طرفي اوسلو، هي خلافات تكتيكية داخل الصفقة الكبرى للشراكة السياسية في الحل النهائي الذي يتضمن، حكما، شطب العامل الاردني.ان الطريق الاسرائيلي الفلسطيني مغلق أمام عمان. التي ليس أمامها سوى بديل واحد هو إغلاق الجسور… والمعابر، والتحصن داخليا، والاحتماء بالعمق العربي. فهل آن الأوان لكي يتحرر القرار السياسي الأردني من الخوف من أوسلو، والصحو من أحلام اليقظة.