»أبو مازن وكهلاني يجتمعان اليوم« أبو (…) طار إلى… وأبو (…) قال، وصرّح، والتقى، وشجب، وأيد، ودعا… هذه لعبة يحبها المسؤولون الفلسطينيون والاسرائيليون أيضا. ففي الاسبوع الاخير، فقط، قام مسؤولون اسرائيليون بعشرات الزيارات الى غزة ورام الله. وكل زيارة فيها تلفزيون. وفي كل تلفزيون تصريح! كأنه حسب قول وزير الاستيعاب الاسرائيلي: موسم الحج الى غزة! ودعونا ننتبه الى ان حكومة بنيامين نتنياهو تعرضت، الاثنين الماضي، الى ثلاثة اقتراعات على الثقة بها، لأنها تعرقل عملية السلام.المطلوب منا، بالطبع، ان ندعم عملية السلام، ونواصل انتقاد نتنياهو، وشتمه، والضغط عليه، لكي يوافق على اعادة انتشار الاحتلال في 13$ وليس في 9$ او 11$ من الضفة الغربية. هذا ما نفعله بالضبط. اننا نقوم بما هو مطلوب منا، ونتابع هذه المادة الاخبارية المتدفقة، ونحلل المعطيات، ونغرق في التفاصيل، وفي زوايا الاختلاف حول المنطقة (د)، ونواصل اللهاث وراء قوم لا يتعبون من الاجتماعات والمباحثات والتصريحات، تأكيدا لموقفنا »القومي«، وحرصنا المسؤول على »فلسطين«!أنا لا أريد ان أعرف ماذا يحدث بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لا أريد ان اعرف عن اجتماعاتهم، وعن اتفاقاتهم، وخلافاتهم، وماذا قالوا وماذا صرحوا، وماذا أضافوا! ولست معنيا البتة، بالنسبة المئوية التي سيعيد الاحتلال نشر قواته في إطارها؛ 13$ او 11$ او 9$.. ماذا يعنيني؟ انه شأن اسرائيلي داخلي.هذا هو الغائب (المغيّب) في هذا السيل من التدفق الاعلامي حول الشأن الفلسطيني. لقد أصبح، منذ اوسلو، شأنا اسرائيليا داخليا. والخلاف الراهن، في حقيقته، هو بين حكومة حزب الليكود وبين الحكم الذاتي الفلسطيني، او، للدقة، بين حزب الليكود الحاكم وبين حزب العمل المعارض، اذ صارت فلسطين، استتباعا، مادة في الصراع السياسي الداخلي، داخل »الاجماع الوطني« الذي بات الفلسطينيون جزءا منه!ولنتذكر ان الرئيس ياسر عرفات، وجه فلسطينيي ال1948 للتصويت الى جانب شمعون بيريز، بينما كان الاخير، في ربيع 1996، اي قبل أقل من شهرين من موعد الانتخابات الاسرائيلية، قد غمس يديه في دماء الأطفال اللبنانيين في قانا. ماذا كان يستطيع عرفات سوى التصويت لمصلحة قاتل الأطفال اللبنانيين، ما دام ان البديل هو ذلك الذي لا يريد اعادة الانتشار الاحتلالي في اكثر من 9$ من الضفة الغربية. علما بأنه، هو، ايضا، قاتل ومستعد لسفك دماء اللبنانيين والعرب أجمعين؟!هذه هي، منذ أوسلو، خيارات عرفات، التي للأسف ما تزال هي الخيارات الفلسطينية. بينما قوى الرفض الفلسطينية، الوطنية واليسارية والاسلامية، تحولت الى معارضة. والمعارضة داخل النظام، والنظام داخل اسرائيل.ينبغي ان نتذكر، دائما، ما هي اوسلو. انها كانت، وما تزال، صفقة العمر الاسرائيلية الفلسطينية. بموجبها قفز عرفات ومن معه من النظام العربي، المنهك والمفكك، الى النظام الاسرائيلي. كان خيار عرفات استراتيجيا، فعوامل القوة التي له داخل المعادلة الاسرائيلية، اكبر من عوامل القوة الممكنة داخل المعادلة العربية. ولكن قوة عرفات الاسرائيلية كانت مشروطة، وما تزال، ب»أسرألة« العامل الفلسطيني، ولو كان ذلك من مواقع »المعارضة«. هذا ما حدث، ويحدث. والصراع بين عرفات ونتنياهو هو صراع حقيقي، ولكنه قائم داخل الوحدة. وعندما يستنصر عرفات، بالولايات المتحدة او العرب، فانه يوظف عاملا خارجيا للضغط في معادلة داخلية. انه يتحرك، موضوعيا، بوصفه معارضا اسرائيليا. انه معارض ولكنه »اسرائيلي«! هذه ليست شتيمة بل تقرير واقع يظهر ان نتيجة الصراع بين عرفات ونتنياهو، لن تؤثر، في النهاية، على »المصالح القومية الاسرائيلية« التي رسمتها اتفاقات اوسلو بدقة، وسمحت للأطراف بالصراع في داخلها، وحتى لو أدت اوسلو في آخر الأمر الى قيام دولة فلسطينية، فلن تكون هذه، في أحسن الاحوال، سوى مستعمرة اسرائيلية لها علم ونشيد، ولكنها اقتصاديا وأمنيا وبالتالي سياسيا جزء من اسرائيل. وقد يقول قائل ان الحفاظ على الوجود الفلسطيني في فلسطين، حتى داخل مستعمرة، يستحق العناء. بل ان محمود درويش تمنى في حوار أجرته معه صحيفة »هآرتس« الاسرائيلية، (21/6/1998) »دولة واحدة لشعبين«، وقال: »هذا هو الحل العادل والسليم جدا«. ان الفلسطينيين والاسرائيليين لن يستطيعوا بناء مستقبلهم الا سويا.وفي إطار المعطيات القائمة، فان ما يطلبه محمود درويش يمثل »الموقف الأقصى«. انه يطالب بأكثر مما يمكن المطالبة به. ولكن، بالنسبة لي، فان المشكلة تكمن في أننا أقصد الاردنيين والسوريين واللبنانيين خصوصا، والعرب عموما لن نستطيع ان نبني مستقبلنا الا بالتناقض مع الاسرائيليين، ما دام اننا، مع هؤلاء، سوف نخسر القليل الذي بين أيدينا، ولن نربح أنفسنا!إذاً، قد نكون مضطرين الى »أجندة« سياسية جديدة تستثني الشأن الفلسطيني، والتفكير جديا، في ما يمكن عمله من أجل ان نبني نحن، الأردنيين والسوريين واللبنانيين والعراقيين، مستقبلنا سويا. فنحن لن نستطيع ان نبني مستقبلنا الا سويا. واذا فعلنا ذلك، فربما نكون اكثر اقترابا من فلسطين.