1 لا يكلف الله نفسا الا وسعها.ولكن، ماذا يفعل متصوف جذري مثل ليث شبيلات، ازاء التكليفات الالهية (المهمات التاريخية) في بلد كالأردن، استيقظ، من دعته، فجأة، ليجد انه، وهو الأعزل، في مواجهة تحديات لا تسعها النفوس؟!2 ماذا يستطيع الصوفي الفرد سوى الصراخ؟!ومن صرخة الى صرخة، ومن سجن الى سجن، يتابع ليث شبيلات، رحلته الرمزية. وكلما تأكدت رمزية رحلته، انفض السياسيون عنه، ليس حسب، لأنه يخلف الجبناء… وراءه، ولكن، لأنه، هو، لا يقبل الشجعان ايضا. فالرمز واحد، غير متعدد، وليس فيه مكان لغير شبيلات واحد.3 سواء أصلّى شبيلات في معان، ام لم يصلّ… وسواء أحرّض أهلها ام لم يحرضهم… فقد كانت وما تزال المدينة مهيأة!!معان، كالكرك، كالطفيلة… كالسلط، كالبادية، كريف الشمال… وككل بلدة »وقرية« ومضرب اردني… اشتعال لا علاقة له بأيديولوجية شبيلات وخطه السياسي… الا من حيث ان الاشتعال يبحث عن رموز ورايات. اما الحقائق الاردنية، ومسيرة الاردنيين على الارض… فيصنعها عجول الارض!!والأسهل… ان يتم الربط بين حركة الجماهير… وبين فرد واحد، اذا ما اودع السجن.. »اطمأن« الخائفون!!4 ان التحركات »الجماهيرية« التي ترتبها الاحزاب تفشل. اولا، لان الاحزاب ليس لها جماهير… وبعضها »الجماهيري« لا يستطيع ان يحشد… الا على صناديق الانتخابات. وثانيا، لان الاحزاب مراقبة ومحاصرة بدقة.والتحرك الجماهيري الذي ينجح هو ذلك الذي يفاجئ السلطات، وينطلق من حيث لا يحتسب العسس.وشبيلات نفسه جاء من حيث لا يحتسب العسس.5 في الفترة القصيرة التي خرج فيها شبيلات من سجنه الاخير، كانت سيارتان تقلان خمسة، تطاردانه دونما انقطاع، فخاف الجبناء من زيارته، وحسبها الذين يحسبون، في حين لم يزره، ايضا، من اختلفوا معه ولا تنقصهم الشجاعة.6 »حرية« شبيلات هذه، المطاردة والمكفولة بقرار من محكمة التمييز، والمحفوفة بالسجن بين لحظة واخرى، هي، بامتياز، تلخيص درامي للديموقراطية الاردنية. نعني ان الاردني حر ولكنه مقيد. وهو يستطيع ان يعارض، ولكنه لا يستطيع ان يضمن النتائج. وقد تكون هذه النصف ديموقراطية مشتهاة في غير بلد عربي، ولكنها، مع ذلك، تظل غير منتجة… وبابا للفوضى وربما مدخلا للحرب الاهلية.7 في الاردن، كفّ النظام السياسي، تحت وطأة المديونية والعولمة، عن ان يكون شموليا، ولكنه، في الوقت نفسه، لا يستطيع ان يكون ديموقراطيا. وكل من يشتغل في العمل السياسي، يدرك ان اللعبة خاسرة. وان العبء ثقيل. فكل ما هو متاح، صرخات يتصدى لها لاعبون شجعان كيلا يقال اننا خسرنا الاردن بصمت. اما الشعب، فلا يلعب اللعبة الديموقراطية. انه ينفجر ثم يهدأ ثم ينفجر ثم يهدأ. وبين انفجار وانفجار، يسكت الشعب، لتعلو اصوات متكاثرة لكنها مفردة. أصوات ذوات تأبى الصمت والمسايرة، وتتقدم الصفوف.كيف ينبجس، فجأة، نهر الشعب؟لا يستطيع احد ان يدّعي القدرة على الاجابة.8 شبيلات، من جديد، موضع عفو ملكي.اللعبة مستمرة إذاً: من اعتقال الى عفو.. ومن عفو الى اعتقال الى…؟ وهي، بدورها، رمز للعبة الاردنية التي لا يعرف احد ما هو مآلها!ولكن، حتى كتابة هذه السطور، ما يزال الحكم يلعب، وما يزال شبيلات مركزيا في سيكولوجية الحكم: تبدأ الاعتقالات به.. ويبدأ الانفراج به! كأنه عنوان اللعبة!9 ما لا يعرفه الكثيرون ان الاردنيين غدوا اكثر نضجا من اللعبة.. واللاعبين.ولذا، فبينما امتعضوا من الاستمرار في »أفق« الماضي، تحرروا، ايضا، من الاوهام: سواء اكانت »دولارات السلام« او رؤى الإمام المعصوم!الأردنيون يريدون، اولا، »البقاء«.ثم انهم يحلمون.. ولكن بديموقراطية كاملة في وطن، هو على الأقل، غير معروض للبيع.