واجه النائبان حمادة فراعنة ومحمد رأفت (عضوا مجلس النواب الأردني عن مخيمي »الحسين« و»البقعة« على التوالي) حملة الاحتجاجات ضد زيارتهما المشتركة لإسرائيل، ولقائهما رئيس الكنيست ودعوتهما الى حوار نيابي عبر النهر، بتصعيد مضاد.الشيخ رأفت قال انه سيزور اسرائيل »مثنى وثلاث ورباع!« وعلى المعترضين »ان يأكلوا الحجارة« بينما وصفهم فراعنة بأنهم »تافهون وجبناء«، وذلك ضمن سيل من التصريحات الاستفزازية الهادفة الى تأجيج المعركة، اكثر مما تتوخى الدفاع عن النفس.موقف فراعنة ورأفت، في الواقع، موقف هجومي. لقد كسرا، عن عمد، تقليدا بعدم التطبيع النيابي مع إسرائيل، وسعيا الى تغطية رحلتهما اليها، تغطية واسعة إعلاميا وسياسيا. ويبدوان، الآن، سعيدين لأن زيارتهما أثارت كل هذه الاحتجاجات، وخاصة من قبل الإخوان المسلمين. ان سير الأمور، بما في ذلك البيانات والمسيرات المنددة بهما، يبدو كأنه يتجه الى حيث يريدان بالضبط.برز حمادة فراعنة (وهو فلسطيني كان ناشطا مع غير منظمة فلسطينية في الأردن) في السنوات الاخيرة، باعتباره مخلب قط »لوبي فلسطيني« في السياسة الاردنية، يتبنى المواقف التالية: (1) تأييد اتفاقية اوسلو ومعاهدة وادي عربة، والتطبيع والتعاون والتفاهم مع اسرائيل. (2) تأييد علاقات استراتيجية بين الحكم الأردني والسلطة الفلسطينية، ومحاولة القيام بدور الوسيط بينهما. (3) التأكيد على ان اللاجئين والنازحين في الأردن هم أردنيون، وأنه ينبغي استنهاض همم هؤلاء »الأردنيين من أصل فلسطيني« لتحصيل حقوق»هم« السياسية، بما يتناسب مع حجمهم السكاني (50$) وقوتهم الاقتصادية (نحو 80$ من مجمل الرساميل والعمليات).ويلقى هذا الاتجاه تشجيعا من القصر، ومن أوساط المال والأعمال، ويهيمن على العديد من المنابر الاعلامية والاجتماعية، ويحظى بشعبية لا يستهان بها في صفوف فلسطينيي الأردن. وبينما يتجاذب هؤلاء، كما هو الحال في الأرض المحتلة، تياران رئيسيان متصارعان هما التيار العرفاتي والتيار الأخواني، فان تيارا جديدا يتشكل ويبرز هدفه بلورة موقف خاص بفلسطينيي الأردن، يتأسس على التعبير عن مصالحهم ك»طائفة« في الأردن، لها قيادتها المحلية، وعلاقاتها الخاصة مع الحكم الأردني ومع السلطة الفلسطينية في الآن نفسه، بدون ان تتطابق مع أي منهما، بل تسعى الى توظيف »ولائها المزدوج« هذا لتحسين شروطها في التفاوض على حصتها من »الكعكة« المحلية في إطار الحل النهائي. وهو ما يدعو فلسطينيي الأردن، وفقا لهذا التصور، الى فتح خط خاص بهم في المفاوضات الجارية مع اسرائيل حول الحل النهائي ذاك، والذي يتنافس في إطاره المفاوض العرفاتي والمفاوض الأردني، بالاضافة الى مفاوضين أفرزتهم السلطة الفلسطينية، ويعملون مع اسرائيل لحسابهم (وأبرزهم جبريل الرجوب رئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة)، وبطبيعة الحال، الى المفاوض المؤجل، حماس. وفي هذا الإطار بالذات، جاءت زيارة فراعنة ورأفت الى الكنيست الاسرائيلي، ومناداتهما بحوار نيابي عبر النهر.ان الاحتجاجات الواسعة التي ينسقها بخاصة الاخوان المسلمون، ضد فراعنة ورأفت، لا تعني انهما معزولان في الشارع الفلسطيني في الأردن. فالأول يحظى بعلاقات طيبة مع القصر، وله نفوذ في الأوساط الاعلامية، وهو يلقى دعما مؤثرا من رجال أعمال فلسطينيين بارزين. وعلى رغم أنه لم يخف أبدا علاقاته المميزة مع الاسرائيليين، ومن أنه دعاه علناً وبصورة حثيثة، الى تسخين التطبيع غير الرسمي مع اسرائيل، فقد حصل على أصوات كثيفة من مخيم الحسين والناخبين الفلسطينيين في إحدى دوائر العاصمة الانتخابية، على أساس أنه »مرشح الأردنيين من أصل فلسطيني«.والثاني، رأفت، حصل على أعلى الأصوات في دائرته الانتخابية من ناخبي مخيم البقعة بالذات، على أساس شعار »طائفي« واضح هو »صوت البقعة للبقعة«. وهو لم يخدع ناخبيه الذين انخدع بعضهم، ربما، بكونه إسلامي النزعة.فراعنة ورأفت، بوصولهما الى قبة البرلمان، اعتبرا ان الفرصة قد واتت لبلورة قيادة فلسطينية محلية تعلن بصراحة انها »مزدوجة الولاء« وتفتح خطا تفاوضيا مباشرا مع إسرائيل، فبادرا، وبأكثر ما يمكن من الضجيج، لزيارتها وقدما لرئيس الكنيست مطلبا خاصا هو إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية او ما يعرف، اعلاميا، ب»المعتقلين الأردنيين في اسرائيل«. وهو ما يمثل بداية صغيرة، ولكنها ذات دلالة، لمفاوضات مباشرة بين قيادة تمثل فلسطينيي الأردن وبين إسرائيل. ولذلك، لم يحاول فراعنة ورأفت إقناع نائب أردني لمرافقتهما في زيارتهما التي اعتبراها »كسرا للحاجز النفسي« بين جمهورهما وإسرائيل. فلو فعلا ذلك، لكانت الزيارة تدخل في سياق التطبيع النيابي، ولا تحمل الرسائل المهمة التي وصلت بالفعل الى القادة الاسرائيليين الذين وعدوا بدراسة ملف المعتقلين من فلسطينيي الأردن وإلى عرفات الذي رفض استقبال النائبين ربما لأنه غير راض عن هذا التطور الذي يعني المزيد من المفاوضين الفلسطينيين خارج سيطرته الكاملة، والى الإخوان المسلمين، الممثلين التقليديين لفلسطينيي الأردن الذين، لذلك، يصعدون من »قيادة بديلة« لهم في المخيمات، واخيرا الى الحكم الأردني الذي لا نعرف، بعد، ما هي ردة فعله. وان يكن ليس هنالك دليل على استيائه.