أهدأ مما يمور في داخله؛ علي أكبر ولايتي دبلوماسي ضليع، حذر، دقيق، يعطي الانطباع بأنه يتحدث ملياً أو اختصاراً، بلهجة فيها الكثير من الحياد والمعاني المضمرة. لكنه، حين تحدث عن لقائه الأخير بالرئيس بشار الأسد وبالسيد حسن نصرالله، انطلقت حماسته فجأة، ضحكت عيناه؛ عاد بالزمن إلى سنة 2000، وتساؤلات القيادة الإيرانية حول الرئيس الجديد، وهل يمكن أن يملأ فراغ الحكمة والشجاعة اللتين تحلى بهما الرئيس الراحل حافظ الأسد؟ وبسرعة أثبت بشار أنه لا يقل حكمة وشجاعة عن والده. أول ما يخطر في بال ولايتي حين يقابل الأسد، هو تقديره للصلابة الشجاعة؛ ففي وقت كان الإرهابيون على مبعدة 200 متر من مقره، بقي في مكتبه، يدير أعماله، رابط الجأش، واثقا. يعني ذلك، يقول ولايتي، أننا أمام مناضل ميداني في منصب رئيس. قائد كهذا لا يمكن أن يُهزَم. وهو، بكل المعايير، عنوان صمود سوريا. لقد أظهر الشعب السوري وجيشه وقواته الشعبية قدرة أدهشت الأعداء والأصدقاء. لا محالة في أن هذا الشعب سينتصر. والجمهورية الاسلامية لديها قرار استراتيجي لا يتزعزع في دعم الدولة السورية. «وهو ما يعبر عن واجبنا الديني والانساني، وعن مصالحنا».
هنا، أذكّر بما قاله سماحة القائد بأنه في ما لو سقطت دمشق، لا سمح الله، يغدو على أبناء الشعب الإيراني أن يحملوا السلاح ، دفاعا عن طهران».
أربع ساعات قضاها ولايتي مع السيد حسن نصرالله ملأته بالغبطة والثقة والأمل؛ فالسيد يتمتع بمعنويات عالية جدا. هنا، قفزت على لسان ولايتي فكرة المقارنة بين قدرة مقاتلي حزب الله على ارتقاء قمة موسى في القلمون… وبين قمة جبل الشيخ، المحتلة، القمتان تتشابهان في العلو والصعوبات القتالية؛ فهل ينبغي التوضيح أكثر؟
لا في لقائه مع الأسد أو نصرالله، صدرت عن ولايتي تصريحات علنية إزاء العدوان التركي العثماني على سوريا؛ فلم يعد يقتصر الأمر على تجميع وتدريب وتسليح الإرهابيين وزجهم في الحرب على سوريا؛ هناك، اليوم، تدخل لوجستي واستخباراتي وعسكري صريح في شمال سوريا، بينما الجمهورية الاسلامية ما تزال تلتزم الصمت إزاء ذلك؟
بدأ ولايتي بمناورة دبلوماسية: نحن لا نعرف، بالضبط، مخططات الأعداء نحو سوريا، لكنني استبعد، انطلاقا من منطق الحكمة والتدبير، ألا يحدث تصعيد نوعي كفرض منطقة حظر جوي أو دعم الإرهابيين بالطائرات الحربية. في كل الأحوال، نحن لدينا ثقة كاملة بأن الشعب السوري، سيواصل مقاومته لكل أشكال العدوان، ونحن سنكون إلى جانبه.
لحظة صمت، بعدها ذهب ولايتي إلى ترداد حكمتين تليقان بالمقام، قال: على كل حال، «الذي بيته من زجاج لا يستطيع أن يرمي جيرانه بالحجارة»… و»مَن يزرع الريح يحصد العاصفة»!
ـ تقصد، بالطبع، تركيا؟
أجاب بالصمت، واستعجل السؤال التالي.
حسنا، هل تتوقعون التوصل إلى اتفاق مع مجموعة الـ 5 زائدا 1 حول البرنامج النووي الإيراني؟ في حالة التوقيع هل سيتراجع الدعم الإيراني لسوريا، وفي حالة الفشل، هل تتوقعون تصعيدا؟
من حيث المبدأ، يقول ولايتي، فإن الجمهورية الاسلامية عازمة على المضي، بجدية، في مفاوضات النووي. ونأمل بالتوصل إلى نتائج إيجابية؛ لكن لا نعرف، بعد، ماذا يخبئ الغرب في جعبته من شروط جديدة؟
أمن سوريا ووحدتها
من أمن ايران في مواجهة التدخل السعودي أو العثماني
ــــ شروطنا واضحة وحاسمة ونهائية وغير قابلة للمساومة، منذ البداية، وهي ثلاثة: لا نقبل، مطلقا، بالتفتيش على منشآتنا العسكرية والسيادية وأي منشأة خارج النووي، ولا نقبل، تحت أي ظرف كان، باستجواب علمائنا وكادراتنا العاملة في المجال النووي، ولسنا مستعدين للربط بين الاتفاق النووي والملفات الإقليمية. لا نعلم ما إذا كان الأميركيون سيتراجعون، أو يذهبون إلى فرض شروط جديدة تعجيزية. لكن هذه شروطنا، ولا نتنازل عنها أبدا. وفي ما يتصل بالملفات الإقليمية، فإن وقوفنا مع الشعوب المظلومة المقاومة، هو، أولا وقبل كل شيء، مرتبط بمصداقية الجمهورية الاسلامية، ثم أنه يرتبط، جذريا، بمصالح الأمن القومي الإيراني.
في سياق خطط التقسيم الاستعمارية الجديدة في المنطقة، يبدو العراق المرشح الأكبر لهكذا خطط أصبحت معلنة؟ كيف ترى إيران المشهد العراقي؟
أبدى ولايتي تقديره للجيش والحشد الشعبي العراقي الذي يقاتل «داعش»، كما لاحظ أن تطور الأحداث الدامية، أسهم في السير نحو اجماع عراقي على وحدة البلاد؛ حتى الأكراد وجدوا أنهم ليسوا في منأى عن خطر «داعش» التي كانت ستجتاح أربيل لولا المساعدة الإيرانية العاجلة والفعالة التي قدمتها طهران للأكراد. بالمقابل، لم يعد خافيا أن ما يسمى التحالف الدولي ضد «داعش» لا يتمتع بالفعالية، هذا إذا كان جادا في الأصل بمحاربة هذه المنظمة الإرهابية. بالنسبة لإيران، «نحن سندعم العراقيين من دون تمييز، وبكل مكوناتهم، ونعتبر أن وحدة وسلامة الأراضي العراقية هي مصلحة للأمن القومي الإيراني. يريد الاستعمار، تفكيك بلداننا، وإشاعة الفوضى فيها، وتدمير أجهزة الدولة فيها، بما يمكننا أن نسميه أن خطتهم هي صوملة البلدان العربية والاسلامية».
لكن، هناك من الألطاف الإلهية ما يتحقق بالعكس؛ فالحرب المشتركة التي يخوضها الجيش السوري وحزب الله، ضد الإرهاب التكفيري، فتحت الباب التاريخي أمام وحدة الشعبين والبلدين.
كما السيد نصرالله، أبدى ولايتي، اعجابه الشديد بالشعب اليمني الذي أظهر قدرة استثنائية على الوحدة والصمود والمقاومة ضد العدوان السعودي وحلفائه الداخليين من مقاتلي «القاعدة» الإرهابية. ينظر ولايتي إلى النخب والمواطنين في اليمن بعين التقدير لما يبدونه من حصافة وحكمة، وما يصدر عنهم من تصريحات تتسم بالعقلانية والشجاعة. يعتبر ولايتي أنه، برغم شراسة العدوان السعودي المدعوم أميركيا، فإن النصر معقود لليمنيين الذين هم أهل قتال. لا ينقص السلاح الشعب اليمني. وهو موحد. واحتياجات مقاتليه تقشفية. وهذا يعطيه ميزة استراتيجية على السعودية التي لا تملك جيشا مؤهلا. وفي بلد توجد فيه قطعتا سلاح على الأقل لكل فرد، فإن ما يحتاجه اليمنيون هو المساعدات الانسانية.
يتعرض المسيحيون العرب والمنطقة، لضغوط الإبادة والتهجير؛ كيف ترى إيران مواجهة هذا الخطر؟
ــــ الخطر التكفيري الإرهابي الاجرامي يواجه جميع مكونات المنطقة، المسيحيين والشيعة والعلويين والاسماعيليين والإيزيديين الخ، بل أن أكثر ضحاياهم من السنة. لذلك، ومع حرص الجمهورية الاسلامية على عمل كل ما من شأنه ابقاء المسيحيين في أرضهم، فانها تعتقد أن مواجهة الخطر التكفيري الارهابي مهمة الجميع، ومن أجل الامن والسلام للجميع.
يؤكد ولايتي على توجه الجمهورية الاسلامية لتعزيز العلاقات مع الأردن الذي يتعرض لضغوط مختلفة، سواء من قبل الأميركيين أو الخليجيين أو الاسرائيليين. بالأساس، تحمل الاردن ويتحمل العبء الأكبر من مأساة اللجوء الفلسطيني. وهو ما يضغط على اقتصاده وموارده. واذا كان هذا واجب الأردنيين المعروفين بكرم الضيافة وتقاليد الأخوة، استضافة اللاجئين والنازحين، فانه لا بد من الحفاظ على هوية الفلسطينيين وحقهم بالعودة إلى أرض وطنهم. ونحن نعتقد أن الفلسطينيين هم الوطنية والحصافة بحيث يتمسكون بهويتهم ووطنهم.
انتهى الوقت، بل زاد عن حده المقرر طويلا؛ مرة أخرى نريد العودة إلى سوريا؛ هل يمكننا أن نطمئن على وقوف الجمهورية الاسلامية، في كل الظروف إلى جانب سوريا؟ وهل تميز طهران بين العدوان الخليجي على هذا البلد والعدوان التركي العثماني؟
ملأ ولايتي صدره، وشدد على كلماته قائلا: أمن سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها جزء لا يتجزأ من أمن الجمهورية الإسلامية، سواء في مواجهة التدخل السعودي الخليجي … أو العثماني!
العثماني؟
شكرا ولايتي؛ هذه هي إيران التي نريد!