هل يتضافر المجتمع الدولي لمواجهة السعودية التي تحولت راعياً رسمياً للإرهاب في العالم؟ (أ ف ب)
هل يستطيع الروس اجتذاب الأميركيين إلى إصدار قرار دولي بتجريم دعم الإرهاب في سوريا؟ وهل يتضافر المجتمع الدولي لمواجهة المملكة التي تحولت راعيا رسميا للإرهاب في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفي الشرق الأوسط وفي العالم؟ إذا كان ذلك ممكنا، فسينجح «جنيف 2»، في وضع بداية لإنهاء المأساة السورية
حتى الأب الروحي لـ «جنيف 2»، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بات يتشكك ويسأل عمّن ستفاوضهم الحكومة السورية في المؤتمر الذي ربما ينعقد في 24 كانون الثاني 2014؛ «الائتلاف» و«الجيش الحر» أصبحا من الماضي، ولكنهما لا يزالان موجودين كعناوين بلا مضمون تمثيلي أو قوة عسكرية ذات بال. الآن توجد منظمات جهادية تكفيرية متعددة الأسماء، والهياكل، والصلات الاستخبارية، والخيوط التي تتداخل بين «الإخوان المسلمين» و«القاعدة» ـــ فرع النصرة، وتتعارض مع «القاعدة» ـــ فرع «داعش». وبين هذه المنظمات، تداخلات معقدة وصراعات مسلحة؛ لكنها، جميعها، تخلّت عن كل ادعاء «ديموقراطي». وهي تسعى لإقامة أشكال من الأنظمة الإسلامية، تختلف بين نمط وهابي وطالباني، ولكنها تتفق، كلها، على نبذ كل أشكال الدولة الحديثة، والحريات السياسية والمدنية والثقافية والشخصية، بل إنها تنبذ المواطنية نهائياً، وتعتمد، كلها، أسلوب التطهير الديني والمذهبي، والسيطرة الشمولية للحزب الواحد، ولكن من دون المؤسسات الدولتيّة، الدستورية أو القانونية أو الإدارية؛ فالمحاكم الشرعية هي الأساس، وأحكامها ميدانية بلا استئناف. الاعتقال والتعذيب والاعدامات، وسائل «شرعية»؛ فأين ذلك كله من صرخة «حرية» للعام 2011؟
بالنسبة الى العديد من المنظمات الجهادية التكفيرية الإرهابية، التي لا تزال وسائل الإعلام ـــ حتى المحايدة ـــ تسميها بـ«المعارضة المسلحة»، فهي لا تعادي، فقط، الهياكل السياسية والدولتية الحديثة، سواء أكانت دكتاتورية أم ديموقراطية، بل تعادي الهياكل الخدمية الحديثة: الشبكات الكهربائية والمائية والصحية والسدود والجسور والمشافي والمدارس الخ؛ فكلها رجسٌ من عمل الشيطان. ولذلك، نرى المجاهدين، في شرائط اليوتيوب، يفجرونها وهم يصرخون الله أكبر. لا مصانع ولا مزارع ولا منشآت انتاجية أو خدمية؛ بل عود إلى العيش الصحراوي المتسق مع الشريعة / الأصل. نموذج اقتصادي ممكن، فقط، بالتمويل النفطي. سخّره الله للمسلمين الأتقياء، مثلما سخّر لهم الأسلحة الإفرنجية لمقاتلة أعداء الله من روافض ونصيرية ونصارى ومَن يخالفون شرعه كما فصّله الجهاديون التكفيريون على مقاس هذه الجماعة أو تلك؛ وستتوزع الجماعات الدعم الإلهي والنفطي والغربي والإسرائيلي، وتتقاتل في ما بينها حتى الفناء، موسعةً، بلا توقف، جغرافيا الجهاد التكفيري.
أزمة سوريا، بالأساس، أزمة تنموية؛ جرى نقلها من نموذج دعم الريف إلى نموذج نيوليبرالي يقوم على تحرير أسعار المدخلات الزراعية والاعتداء على الأراضي، ومن نموذج الحمائية الجمركية إلى نموذج انفتاحي دمر الاقتصاد الحرفي. وقد أنتج هذا التغيير بضعة ملايين من المهمشين والعاطلين والمشردين الريفيين، قبل اندلاع الأحداث في سوريا. كان هؤلاء وقود الاحتجاجات، ثم الحاضنة والخزّان للجماعات المسلحة. فما الذي سيحدث بعد انتهاء الحرب السورية، إذا كسبتها هذه الجماعات التي ليس لديها أي تصور اقتصادي سوى تجارة الحرب: الحصول على أموال سياسية والسرقات والخوات الخ. يعني ذلك، أنها ستتجه إلى استدامة الحرب، أهلية ــــ طائفية ــــ داخل سوريا، وإقليمية ودولية لمَن يموّل الجهاد. وهناك ساحات جديدة للعمل: من لبنان إلى إيران، من الأردن إلى مصر، وصولاً إلى روسيا المسلمة.
نحن، إذاً، أمام تكوّن دائم لعصابات سورياستان التي ستكون، إذا لم يتسنّ للجيش السوري القضاء عليها، عاملا رئيسيا في السياسة الدولية؛ واشنطن مترددة إزاء بروز سورياستان: مخاطرها المحتملة على الأمن الأوروبي وأمن الحلفاء، أكبر من فائدتها في الصراع مع القوى الإقليمية والدولية المضادة. ومع ذلك، البراغماتية الأميركية تفتح الخطوط ـــ العلنية ـــ مع قوى الإرهاب.
مع «الجبهة الإسلامية»، سيتحادث الأميركيون؛ الجمهورية التي تدعي أنها راعية الحرية والديموقراطية وزعيمة مكافحة الإرهاب في العالم، تتفاوض مع ممثلي قتلة العائلات على الهوية الطائفية وأكلة القلوب البشرية؛ على ماذا؟ على إطلاق سراح راهبات معلولا وأطفال ريف اللاذقية وضمان عدم استخدام الكيماوي؟ كلا، بل على حضور «جنيف 2»، والعياذ بالله!
يجدر الاعتراف بأن قوى الحرب ــــ السعودية، ومعها قطر وتركيا، وبالاستناد إلى اليمين الأميركي والصهيوني ــــ تمكنت من تقويض «جنيف 2» حين قوضت «الجيش الحر»، وأضعفت، تالياً، الهيئة الهشة المسماة بـ«الائتلاف». انتهت اللعبة. القوة على الأرض الآن هي، حصرياً، للمنظمات الجهادية التي ترفض أي إطار للحل السياسي، وهي لا تريد فقط استلام السلطة لإقامة الخلافة، بل تريد تطهير أرض الشام من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى؛ مشروعها هو مشروع التطهير الديني والطائفي والمذهبي في مذبحة كبرى؛ فكيف سيتعاطى الأميركيون مع هذا المشروع؟ وهل يظنون فعلا أن خطة كالتي يفكرون فيها لإعادة تعويم «الجيش الحر» و«الائتلاف» وادماج «الجبهة الإسلامية» في إطار «المعارضة»، له أي امكانية أو معنى سياسي قابل للحياة؟
لدى موسكو، في المقابل، وفد الحكومة السورية والمعارضون الديموقراطيون كهيثم مناع وقدري جميل وفاتح جاموس والمعارضة الكردية. غير أن الحوار بين هذه الأطراف لا يوقف الحرب، ثم هل يحتاج حوار بين النظام وهؤلاء المعارضين السلميين إلى مؤتمر دولي؟ موسكو، بالطبع، أكثر حكمة من أن تظن ذلك، ولكنها تتطلّع إلى أن يتحول «جنيف 2» إلى مؤتمر لمكافحة الإرهاب. يتطلب ذلك، بداهة، ألا يحضره ممثلو المنظمات الإرهابية. سيكون، إذاً، اجتماعا دوليا يفرض على داعمي الإرهابيين، التوقف. ولكن، لماذا يتوقفون إذا لم تكن هناك اجراءات ردع بحقهم؟
السفير السعودي في بريطانيا، محمد بن نواف بن عبد العزيز، أعلن، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن السعودية ستخوض الحرب مع النظام السوري حتى النهاية، سواء أشاركها الغرب أم لا. السعودية تعلن الحرب، بالأقوال والأفعال، من دون رادع؛ فهل كانت تستطيع لولا أنها تستند إلى حلفاء نافذين في الولايات المتحدة؟
هل يستطيع الروس اجتذاب الأميركيين إلى إصدار قرار دولي بتجريم دعم الإرهاب في سوريا؟ أتسمح المنطقة المظلمة العميقة في التحالف التاريخي بين الإمبريالية الأميركية والصهيونية والسعودية، بإدانة المملكة الراعية للإرهاب، واتخاذ اجراءات ضدها؟ إذا كان ذلك ممكنا، فسينجح «جنيف 2»، في وضع بداية لإنهاء المأساة السورية.
هنا مربط الفرس: هل يتضافر المجتمع الدولي لمواجهة السعودية التي تحولت راعيا رسميا للإرهاب في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفي الشرق الأوسط وفي العالم؟ أقله هل يُرفَع الغطاء الأميركي ـ الغربي عنها؟ هل تُتخذ اجراءات فعّالة لعزلها، ووقف التدخل القطري المنافس / المساند، وإغلاق المعبرين، التركي والأردني أمام دعم الجماعات الجهادية، بكل أصنافها، والتحوّل الاستخباري الغربي (كما يحدث الآن، جزئيا)، لدعم عمليات الجيش السوري ضد الإرهابيين؟
لدى أوساط «الائتلاف» ـــ الذي ما يزال مصرا، بصورة كاريكاتورية، على ربط «جنيف 2» برحيل الرئيس بشار الأسد ـــ رسالة واضحة من قبل الغرب: الأسد باقٍ، كونه الأقدر على قيادة الجهد العسكري والأمني ضد الجماعات الإرهابية. هذا الاتجاه سيتعزز بالنظر إلى الفشل المتوقع لّلقاء بين ممثلي الولايات المتحدة و«الجبهة الإسلامية». السعودية لا تزال مصرة على إسقاط الأسد بأي ثمن، ورغم خلافاتها مع قطر وتركيا، فإن قيادتي هذين البلدين لا تزالان تدعمان هذه الاستراتيجية. هل ننتهي في «جنيف 2» إلى قطيعة أميركية ـــ سعودية، تعزل الرياض إقليمياً ودولياً وتأذن بوقف مساعدة الإرهابيين؟ أم أن «جنيف 2» لن يكون سوى محطة عابرة في حرب السعودية على سوريا والعراق؟
هذا هو الآن السؤال الجوهري حول القضية السورية في واقعها العيانيّ. وهو سؤال ليست عليه سوى إجابة واحدة: الحسم العسكري والأمني؛ الحسم الذي لا مفر لحلفاء سوريا وخصومها الدوليين معاً، من التوافق حوله. أما «المعارضة»، الخارجية والداخلية معا، فقد أصبحت على هامش الأحداث؛ لديها فرصة وحيدة، هي التفاهم مع النظام السوري… وفي دمشق.