نصرالله لبوغدانوف: لا حل إلا تحت سقف الرئيس (هيثم الموسوي)
ما هي المبادرة الروسية؟ ما هي طبيعتها وحدودها؟ وما المشتركات بينها وبين «المبادرات» والأفكار التي تنشط الأطراف في ترويجها في الكواليس الإقليمية والدولية؟ وما الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للموفد الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف في لقائهما مطلع الشهر الجاري؟
تبدو المبادرة الروسية مبهمة. ربما يكون غموضها مقصوداً لذاته، بحيث تمنح المشاركين في الحوار فرصة النزول عن الأشجار التي تسلّقوها. ففي خط «هيئة التنسيق» و«حزب الإرادة الشعبية»، هناك تأكيد على مرجعية «جنيف 1»، رغم أن الزمن تجاوزها، بينما تيار الحوار في «ائتلاف المعارضة»، يؤكّد أنه لا حل إلا برحيل الرئيس بشار الأسد. وهو شرط يعرف الجميع أنه خارج التداول الواقعي. هذا الشرط يطرحه السعوديون مع قائمة اغراءات، منها القبول بكل صيغة الحكم القائمة في سوريا، دستورياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، ولكن مع تنحّي شخص الأسد.
في المقابل، تتداول القاهرة وعمان وعواصم أخرى ــــ بعضها خليجية ــــ أفكاراً أكثر واقعية، تعترف برئاسة الأسد، وتقترح تفويض قسم من صلاحيات الرئيس إلى حكومة وحدة وطنية، حتى من دون المساس بصلاحيات الدفاع والأمن والخارجية.
لا نهاية للطروحات المتداولة في شأن الحل السياسي في سوريا؛ تختلط فيها الممكنات بالرغبات بالتحليلات، لكن شيئاً أساسياً غدا مشتركاً هو أن الأطراف تتجه إلى حل سياسي في 2015، وأنها تنظر إلى السياق الذي افتتحه الروس، كمجال ملائم للتفاوض. وعلى هذه الخلفية، فإن الأطراف تأمل، من جهتها، جرّ موسكو إلى تقديم تنازلات للوصول إلى حل، خصوصاً أن العقوبات والانخفاض، المتوقع والمصطنع، في أسعار النفط، والأزمة الأوكرانية، كلها عوامل تضغط على روسيا، وقد تغريها بثلاثة أرباع انتصار في سوريا.
في مثلث السياسة الخارجية الروسي، الرئيس فلاديمير بوتين والوزير سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف، ثمّة خلاف في اللهجة في الأطروحة الروسية بشأن سوريا. بوتين ــــ الذي يحدد، في النهاية، المسار ــــ حاسمٌ ليس في تأييده غير المحدود للنظام السوري، بل وفي اعترافه غير الملتبس بالأسد كرئيس شرعي، تولّى سلطاته إثر انتخابات ذات صدقية، أظهرت أن أغلبية بين السوريين تؤيّده. يحسم هذا الموقف المعلَن رسمياً، كل الجدل الممكن حول سقف المبادرة الروسية. غير أن الأطراف التي تتواصل مع لافروف وبوغدانوف، قد تفسّر اللغة الدبلوماسية للافروف أو الايحاءات التفاوضية لبوغدانوف، تفسيراتٍ شتى، كلٌ منها بما يتوافق مع مصالحه ورؤيته. ومن بين تلك الإيحاءات ما يتعلق بـ «جس النبض» ومعرفة الحدود والخطوط الممكنة داخل محور المقاومة.
وعلى رغم تنامي العلاقات التحالفية بين موسكو وطهران، وتداولهما في شؤون دعم دمشق، اقتصادياً وعسكرياً، وفي شجون الحل السياسي في سوريا؛ فإن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، بات، بالنسبة الى الروس، الجهة التي يأخذون منها الخلاصة، بلا ظلال. ووراء ذلك، ثلاثة أسباب رئيسية، هي الآتية: أولاً، إن الحوار مع نصرالله هو حوار مع رجل المقاومة لا رجل الدبلوماسية، ومع سياسي راكم تراثاً من الصدقية العالية؛ ثانياً أن نصرالله هو الحليف المشترك لدمشق وطهران، ولديه، تحديداً، كلمة السر؛ ثالثاً أن حزب الله قوة رئيسية في الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق، كما لبنان، وهو ما يجعله شريكاً وازناً في أي تصور مستقبلي للحل السياسي للأزمة السورية.ثلاثة خطوط حمر: الدولة
السورية وخياراتها الاستراتيجية، الجيش، والرئيس الأسد
في الخامس من الشهر الجاري، استقبل نصرالله بوغدانوف الذي كان قد جال في المنطقة، وتعرّف المواقف، واستعرض الرؤى، ووجد أنه من المناسب وضع ما في جعبته على طاولة الأمين العام لحزب الله، بما في ذلك ما سمعه هو شخصيا، وسمعه الروس، حول كل المواقف من الرئيس الأسد.
أوضح رجل المقاومة لبوغدانوف، من دون أدنى التباس، أننا نخوض المعركة ضد الإرهاب، ودفاعاً عن سوريا والدولة السورية وخياراتها الاستراتيجية، لكننا، بالقدر نفسه، «نخوض معركة الرئيس». لا حل إلا تحت سقف الرئيس. الرئيس خطٌ أحمر.
لماذا؟ ما الذي يضير حلف المقاومة، والدولة السورية في القلب منه، إذا تم الحفاظ على «كل شيء»، مقابل حتى تقصير ولاية الرئيس؟
كلا؛ أولاً، الرئيس بشار الأسد، كان دائماً قائداً مقاوماً، لكنه تحوّل اليوم، بعد أربع سنوات من الحرب، رمزاً للمقاومة وللمحور، رمزاً ذا قيمة معنوية كبرى، لا يمكن وضعها، بالمطلق، في معادلة حل سياسي. وثانياً، أن الرئيس الأسد، بشخصه ورمزيته وتوجهاته، يمثل، في حد ذاته، خلاصة الدولة السورية، والقائد القادر على إدارة حربها ضد الإرهاب. ثالثاً، الأسد هو عنوان وحدة سوريا، ولا يمكن احتسابه على جهة دينية او طائفية أو منطقة أو حتى حزب سياسي، ومن غير المقبول، بالتالي، أي نقاش له هذه الصفات في ما يتصل بالرئيس والحل السياسي في سوريا. رابعاً، في تجربته التي خاضها منذ الاحتلال الأميركي للعراق 2003 وتهديد واشنطن له، بجيوش العدوان، بالمصير العراقي إذا لم يتخلّ عن استراتيجية التصدي للغرب وإسرائيل، ومن ثم في اصراره على العلاقات مع إيران، وعلى دعم المقاومات العربية، وتصديه للمقاطعة والحصار منذ 2005، ووقفته في وجه العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، وعلى غزة في 2009، وأخيراً في قيادته التصدي السوري للإرهاب منذ 2011؛ في كل هذه التجربة، انتزع الأسد مكانته، لا كرئيس للجمهورية العربية السورية فقط، وإنما لقوى المقاومة وجماهيرها في المنطقة.
خرج بوغدانوف من اجتماعه الطويل مع نصرالله، وقد تبلورت المبادرة الروسية في ثلاثة خطوط حمر: الدولة السورية وخياراتها الاستراتيجية، الجيش العربي السوري، والرئيس بشار الأسد.
تحت هذه السقوف الثلاثة، تقدّم موسكو للسوريين، طاولة للحوار حول كل شيء آخر، حوار بلا شروط، ولا مرجعيات، لا «جنيف1» ولا سواه، ولا أي مقترحات تمس تلك السقوف أو تشكل مساساً بسيادة سوريا أو تدخلاً في شؤونها.
المبادرة هي، في الأول والأخير، «حاجة روسية» لاستمرار الغطاء السياسي للدعم الاقتصادي والدفاعي المتصاعد الذي التزم ويلتزم به الكرملين منذ 2011، لا أكثر؛ لا يعني ذلك أن الأطراف الوطنية مستبعدة؛ بالعكس هي مطلوبة، باتجاهاتها وبرامجها، لتعضيد وحدة السوريين في مواجهة الإرهاب والنهوض بعملية إعادة البناء؛ لكن مع انحسار القوى على الأرض لمصلحة المنظمات الإرهابية، لا تُعد المصالحة مع الأحزاب والمثقفين، على أهميتها، ذات محتوى واقعي ميدانياً؛ ما يبقى هو ما حدده الأسد في مسارين، أولهما الكفاح ضد الإرهاب حتى استئصاله، وثانيهما المصالحات الميدانية مع المسلحين السوريين لتلافي المزيد من الدماء، وتوحيد الجهود في المسار الأول؛ بطبيعة الحال، سيكون الحوار السوري ـــ السوري، بالغ الأهمية كمسار ثالث، يعزز وحدة القوى الوطنية والاجتماعية السورية، نحو تجاوز الأزمة والانتصار في الحرب.