خورشيد دلي, علاء اللامي, هيفاء زنكنة,
عاد موضوع الفدرالية في العراق إلى صدارة الأحداث المثيرة للجدل بين مختلف الأحزاب والطوائف والقوميّات العراقيّة، وذلك بعد إقرار مجلس الشيوخ الأميركي في نهاية أيلول الماضي، لقانون «غير ملزم» لتقسيم بلاد الرافدين إلى 3 أقاليم اتّحاديّة: واحد جنوبي وثاني شمالي كردي وآخر في وسط البلاد. وفور إقرار القانون بغالبية 72 صوتاً مقابل 23 معارضاً، انقسمت الآراء حوله بين الأكراد المرحّبين والعرب ـ شيعةً وسنّةً ـ المندّدين، على رغم أنّ دستور عام 2005 لعراق ما بعد الاحتلال، نصّ في مادّته الأولى، على أنّ «جمهوريّة العراق دولة اتحادية»، تاركةً للمادّة 115 إعطاء الحقّ لكل محافظة بتكوين إقليم «بناءً على طلب بالاستفتاء عليه». بين الفدرالية والتقسيم والواقع الحالي، أيّ مستقبل ينتظر العراق؟
لا أفق خارج العلمانيّة
*
الإجماع الجمهوري ـــــ الديموقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي على القانون غير الملزم القاضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أسس مذهبية وإثنية، ليس له بحدّ ذاته أهمية سياسية عملية، إذ تبقى وحدة الكيان العراقي مصونة بتجذّره التاريخي، وتراثه الدولتي، وسطحية وجدّة التشكّل الطائفي المذهبي في مجتمعه المتشكّل فعلياً، في منظومة وطنية، من حيث التداخل الاجتماعي وتشكيلات النخب الإدارية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية، ونظرتها إلى الذات والعالم.
وتتّضح الوحدة العميقة لهذه النخب، على سبيل المثال، من خلال الاحتجاج الجماعي ــــــ الذي يتخطّى الحواجز الطائفية والمذهبية المصطنعة ــــــ على مشروع قانون النفط الاستعماري الذي يفرّط بثروة العراق النفطية لمصلحة الشركات الأميركية. وفي هذا المثال بالذات، يمكننا أن نلفت الانتباه أيضاً، إلى قوة اجتماعية أثبتت في الأشهر الأخيرة أنها عصية على التقسيم المذهبي، أعني نقابات العمال التي تقود الاحتجاجات الجماهيرية على مشروع القانون ذاك، على المستوى الوطني، من تكريت إلى البصرة.
الانقسامات في صفوف المجتمع العراقي لا تتعدّى كثيراً الانقسامات السياسية والأيديولوجية الموجودة عند النخب السياسية والثقافية. ولعلّ هذا المشهد يلخّص التناقض الحاد الذي طبع نظام الرئيس الراحل صدام حسين بطابعه، من استجابته ورعايته لمتطلبات التقدّم التقني والإداري للمجتمع العراقي من جهة، وكبحه الاستبدادي لمتطلّبات التقدّم الأيديولوجي للعراق العلماني، وتنكيله بالنخب السياسية والثقافية المستقلة من جهة ثانية.
لا تجوز المقارنة حتماً بين الطوائف اللبنانية المتبلورة تاريخياً، ككيانات سياسية تحكم أبناءها من الولادة إلى الموت، وبين الطوائف العراقية المندرجة في كيان سياسي وطني، قد تشحن الانتماءات الطائفية تناقضاته، ولكنها لا تشكّلها ولا تحدّدها ولا تحسمها.
لكن الانقسام الحقيقي في العراق يظلّ بالطبع هو الانقسام القومي. وهو ليس بجديد، وطالما عولج، عبر الاتجاه القومي العربي لقمعه بالقوة، والدعاوى اليسارية غير المسؤولة القاضية بدعمه على حساب المصالح الوطنية للدولة العراقية.
وحدة العراق إذاً، متجذّرة على عدة مستويات اقتصادية واجتماعية ونخبوية وثقافية، لكنها تتعرّض لهجمات قاسية جداً من قبل تحالف الاحتلال وشركائه في «العملية السياسية» الاحتلالية، وبالتواطؤ من قبل أطراف إقليمية. ومن الواضح أن هزيمة هذا التحالف منوطة بولادة نخبة سياسية جديدة ذات أيديولوجيا وطنية عراقوية، تقود وحدة البلد وتحريره وإعادة بنائه.
وهناك مؤشّرات على أن إجماع الشيوخ الأميركيين على قانون تقسيم العراق، في نص المشروع، قد بدأ يدفع بالنخب المتعاونة مع الاحتلال إلى زوايا دفاعية صعبة، ويفكّك دعاواها، ويضطرّها ـــــ باستثناء الأكراد ـــــ إلى الإعلان عن رفضها تقسيم العراق، تحت الضغط الجماهيري.
وهنا لا بدّ من طرح بعض القضايا الأساسية للنقاش، على أمل أن يكون صدور القانون سيّئ الذكر، لحظة تنوير للمثقفين العرب في قراءة المشهد العراقي:
أولاً، يمثل هذا القانون أبرز علامات الإفلاس السياسي للمشروع الاستعماري الأميركي في العراق. فلقد أصبح واضحاً أن ذلك المشروع لا يمكن تنفيذه من دون تفكيك الكيان العراقي، في اتجاه عام لتفكيك المنطقة العربية كلّها على أسس طائفية ومذهبية وإثنية. ويفضح هذا المآل، من دون لبس، المضمون الرجعي للمشروع الاستعماري الأميركي، من حيث إنه لا يتوسّل ولا يستهدف حتماً دمقرطة أو تحديث المجتمعات العربية، بل تفتيتها وتأخيرها ووضعها تحت سيطرة أكثر القوى ظلامية واستبداداً، تلك المستعدة بحكم بنيتها و«عقلها»، للقيام بدور «حراس النهب» الإمبريالي للثروات العربية.
ثانياً، يحدّد هذا القانون بوضوح النتيجة النهائية للعملية السياسية الاحتلالية في العراق، والتي تقوم على أساس المحاصصة المذهبية والإثنية، أي على أساس نفي وحدة العراق الوطنية المدنية. ولذلك كلّ مَن يشارك في تلك العملية اللاوطنية، أو في هيئاتها البرلمانية أو الحكومية أو الأمنية أو الإدارية أو الإعلامية… وبغض النظر عن مواقفه المعلنة أو مبررات مشاركته فيها، هو شريك كامل في عملية التقسيم. إنّ إدانة التقسيم تتطلّب بالضرورة، إدانة أي نوع من المشاركة في العملية السياسية الاحتلالية.
ثالثاً، ليست مصادفة أن يعبّر قانون التقسيم الأميركي، عن قوى محسوبة على الجمهورية الإسلامية في إيران، مثل حزب آل الحكيم وحزب الدعوة وبعض الميليشيات الشيعية. فللقوى القومية في طهران مصلحة مباشرة في تقسيم العراق، ومنعه من إعادة تكوين قدراته بوصفه قوة إقليمية منافسة، ولأتباعها مصلحة مباشرة في الاستيلاء على السلطة والثروة في دويلة «شيعستان». وعلينا أن نتذكر هنا، أن أول دعوات تقسيم العراق صدرت عن رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في العراق عبد العزيز الحكيم.
وليس مصادفة أن يتطابق ذاك القانون مع اتجاهات سياسية تُعتَبَر عدوّة للأميركيّين، مثل تنظيم «القاعدة» الذي لم يكتف بالدعوة إلى التقسيم، بل بادر إلى ذبح الشيعة، وانتهى إلى الإعلان فعلاً عن قيام «دولة إسلامية» في الجزء السني من العراق.
كذلك ليس مصادفة أن يظهر قانون الغزاة ذاك، وتسكت عنه اتجاهات وقوى محسوبة على المقاومة، مثل التيار الصدري المتذبذب بين المقاومة والتحالف مع الأحزاب الشيعية المرتبطة بالاحتلال، والمتهم بارتكاب جرائم الإبادة والتهجير ضد السنة، والملحّ على أولوية الصراع مع البعثيين على حساب الصراع مع المحتلّين. ولا يجدر نسيان ضرورة التشديد على الطابع الانقسامي للخطاب التعبوي المذهبي لمنظمات المقاومة السنية، وإلحاحها سياسياً على الشعار الانقسامي القائل إنها «الممثل الشرعي والوحيد» للمقاومة العراقية. ومضمون هذا الشعار في الظروف العراقية الحالية، يساوي القول بهيمنة السنّة.
وأخيراً، فإن إلحاح البعثيّين على ربط المقاومة بهدف العودة إلى ما قبل تاريخ بدء الاحتلال في 9 نيسان 2003، يساوي منع تكوين نخبة وطنية وحدوية جديدة على أساس المشاركة والاعتراف بالآخر.
رابعاً، في بلد متعدّد الأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات كالعراق، فإن كل سلفية ــــــ حتى لو كانت معادية للاحتلال ــــــ وكل تعصّب إثني ـــــ حتى لو كان «عادلاً» ـــــ وكل تحيّز أو اتجاه للاستئثار بالسلطة ـــــ حتى لو كانا يعبّران عن شرعية ما ـــــ وكل نزعة إلى الانتقام ـــــ حتى لو كانت محقة ـــــ جميعها يبقى أدوات للتقسيم. فلا بديل في العراق من علمانية الدولة المدنية، والديموقراطية الوطنية التوافقية، ونقد الماضي، والتسامح والمصالحة.
خامساً، إنّ التأييد الحماسي الذي أظهره الإقطاعيون الأكراد لقانون التقسيم، متسلّحين بالنزعة الانفصالية لدى الجماهير الكردية العراقية، يعيد طرح القضية الكردية على بساط البحث من جديد. وعلى التقدميّين في العالم العربي والعالم بأسره أن يسيروا في اتجاه الحركة الوطنية العراقية والمركزية الوطنية، ورفض كل أشكال الفدراليات والحكم الذاتي أو الاعتراف بالخصوصيات الإثنية سياسياً. فمن باب الاعتراف بفدرالية كردية في العراق، وصلنا إلى التقسيم!
وحدة العراق ـــــ أرضاً ووطناً ودولة ومجتمعاً يزخر بالإمكانات التقدمية للمنطقة كلها ـــــ لها الأولوية المطلقة على جميع الخصوصيات الدينية أو المذهبية أو القومية أو الجهوية. فلا حقوق في العراق المستقبلي إلا للمواطن العراقي، بغض النظر عن قوميته أو دينه أو مذهبه، في دولة مدنية علمانية ديموقراطية تقرّ المساواة الكاملة، ولا يكون مجال فيها لممارسة السياسة على أساس ديني أو قومي. إنّ هذا ليس انطلاقاً من اعتقاد أعمى بقيم العلمانية والمواطنة، بل إقفالاً لباب الموت المجاني والصراع الأهلي والتفتيت والتقسيم، وفتحاً لباب المساواة والتنمية والحياة الحرّة الكريمة.
* كاتب وصحافي أردني
قسّموه على الأرض واحتجّوا على تقسيمه على الورق!
علاء اللامي *
تصلح العبارة التي نسبها السيناتور جوزيف بايدن، مقدّم مشروع قرار الكونغرس لتقسيم العراق، إلى السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، والتي يقول فيها إنه يجد نفسه موافقاً عقلاً على هذا المشروع ورافضاً له قلباً، تصلح ـــــ إن صحت نسبتها ـــــ لتكون مفتاحاً جيداً يسمح لنا بدخول حالة التناقض «العويص» التي طبعت ردود الأفعال العراقية للقوى السياسية المحلية الداخلة في العملية السياسية، «حكماً ومعارضة».
فردود الأفعال العنيفة والمشوبة بذعر هستيري على قرار الكونغرس غير الملزم الداعي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية، والتي صدرت عن أقرب حلفاء الاحتلال في العراق ـــــ باستثناء أحد الحزبين الكرديين الكبيرين الذي أيد القرار بحماسة ودونما تحفظ ـــــ تحمل في طياتها عدة دلالات مهمة، منها: إن القوى السياسية في الائتلاف الحاكم المفكك، وأيضاً في المعارضة الرسمية المشتتة والحائرة التي لا تكاد تقطع مع الحكم إلا لتعود إليه، بوغِتَت بصراحة (والبعض قال «بصفاقة») وقوّة بقرار التقسيم الأميركي، كما بحجم رد الفعل الشعبي من خارج إطار العملية السياسية، رغم افتقاد رد الفعل ذاك إلى الانسجام والانتظام في فعاليات جلية وواسعة بسبب عدم تبلور إطار وطني بديل يقودها على الساحة العراقية حتى الآن. وهذا ما كشف دائرة الحكم ومعارضته تماماً، وعراها من آخر ورقة توت كانت تحتفظ بها، فحاولت المزايدة على خصومها بالإدانات اللفظية (تصريح المالكي الذي شبه به قرار الكونغرس بالكارثة النازلة بالعراق مجرد مثال)، لكن دون جدوى…
الدلالة الثانية التي حملتها ردود الأفعال تلك، أشارت إلى مبلغ الخواء والهشاشة التي صار عليها التماسك المجتمعي الذي يرمز إليه عادة في الخطابات الاحتفالية بعبارات من قبيل الوحدة الوطنية والاندماج المجتمعي، بعد أكثر من أربعة أعوام من عمر الاحتلال، جرى خلالها تخريب عميق وكارثي ومنظم للموروث المجتمعي وللانسجام الظاهري لمكونات المجتمع. وقد تم هذا التخريب بفعل ثلاثة عوامل نوجزها في:
ـــــ برنامج الاحتلال المخطط مسبقاً لإحداث شروخ خطيرة وتفتيت طائفي وقومي وفئوي، عمودي وأفقي، في المجتمع العراقي.
ـــــ صراعات الأحزاب والميليشيات الطائفية العراقية داخل العملية السياسية الاحتلالية وخارجها، وتسابقها في حصد الغنائم وإزهاق أكبر عدد ممكن من أرواح الأبرياء من جمهور الطوائف والمكونات والأقليات العراقية، في صراع عبثي ودموي تكرّر كثيراً في الحروب الأهلية.
ـــــ النشاط القتالي والتحريضي الواسع والمؤثّر للتيار التكفيري الوافد ممثّلاً بـ«تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» والمنظمات والميليشيات المحلية المتحالفة معه، والعمليات الفائقة الدموية التي قام بها وطالت أهم الرموز الطائفية، إلى جانب مئات الآلاف من القتلى والجرحى من المدنيين، وهو النشاط المدعوم بجهود المخابرات الإقليمية.
كل هذا شكل الأرضية الممهِّدة لعملية التفتيت المجتمعي، وأعطى لمجموعة من ركائز المشروع السياسي الاحتلالي مداها وعمقها التقسيمي. لقد أصرَّ الاحتلال وحلفاؤه المحليّون في أحزاب العملية السياسية في بداية الأمر على خيار حرب الاحتلال لتغيير النظام الشمولي وإطاحته، وقاموا بإجهاض أي سبيل آخر. وحين تمكنوا من ذلك وانتهى الأمر بتدمير الدولة العراقية، وتذري المجتمع، وانكشافه لرياح الجهات الأربع وغياب أية مصدّات حقيقية (كمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات النخبوية المحايدة والمستقلة) تقيه في الانعطافات، أصرَّ الاحتلال على نمط الحكم الطائفي بدءاً من مجلس الحكم ومروراً بكتابة الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية والاستفتاء وليس انتهاءً بالمجلس الأعلى للنفط المشكل على أساس المحاصصة الطائفية. لا بل إن هذه العملية التقسيمية الطائفية طالت حتى الأجهزة الأمنية ومراتبها ونِسَب الضباط والكوادر فيها… وبعبارة أخرى، فإن التقسيم الحقيقي على أرض الواقع، قد حدث دستورياً ومجمعياً وسياسياً وأمنياً، ولم يبقَ إلا إعطاؤه غطاءه العلني المعترف به على شكل قيام ثلاث دويلات طائفية «شيعية وسنية وكردية» في اتحاد كونفيدرالي، لا فيدرالي البتة كما يشيع البعض. فإذا كان هذا هو ما حدث، ولا يشكّ عاقل للحظة بأنّه هو ما حدث، فما معنى كل هذا الضجيج والبلاغة الطنانة الهاجية للكونغرس ولقانون بايدن إذاً؟
لقد اشتغلت الأحزاب المنخرطة في العملية السياسية الاحتلالية على تنفيذ التقسيم الكياني ونفذت بدقة وطاعة عمياء كل ما طلبه المحتل منها وخطط له، حتى وصلنا اليوم وقبل إعلان التقسيم رسمياً بقليل، إلى درجة يستحيل فيها ـــــ في يومنا هذا ـــــ على العراقي من محافظة تكريت أو الأنبار أن يسافر إلى محافظة جنوبية كالبصرة أو الناصرية، وإلى درجة أصبح اعتبار العراقيين القاطنين في محافظة كركوك وافدين وغرباء في وطن يراد لهم أن يهجروا منه وفق طريقة وصفها الصحافي الأميركي سايمور هيرش بالتطهير العرقي، لكنه مدفوع الثمن هذه المرة من خزينة حكومة المحاصصة الطائفية ذاتها.
من ناحية أخرى، وجدت بعض القوى السياسية التي نجد مثالها في الحزب الديموقراطي الكردستاني في القرار، وما رافق اتخاذه، فرصتها في تثبيت تصوراتها وأهدافها الانفصالية، فسارعت إلى تأييده وتبنيه منطلقة من، ومحتجة بأن الدستور ينص عليه، وأن المشروع الأمريكي لم يستعمل في نصه كلمة تقسيم بل تأسيس «establish» لدولة أقاليم. والواقع، أن هذا المسعى لا يكاد يؤدي إلى شيء، لا لأن إدارة بوش ذاتها نفضت يدها من القرار علناً ومؤقتاً، كمن يفض يده من عقرب، بل لأنه مرتبط بمصير العملية الاحتلالية ووجود قوات الاحتلال ذاتها على أرض العراق، وهو وجود لا يحتاج إلى موهبة خارقة لإدراك أنه وجود مؤقت وزائل.
القوى المناهضة للاحتلال وفصائل المقاومة غير التكفيرية التي ما زالت تقاتل المحتلين لم تكن على الموعد كما ينبغي، فلم تقدم أية رؤية متماسكة لبديل ممكن أو لتبني حركة شعبية وبرلمانية من داخل البرلمان، وهو، إن كان ناقص الشرعية، إلا أنه يتوافر على قوى مهمة مناهضة للاحتلال. لقد كانت نشاطات تلك القوى وفعالياتها أقرب إلى ردود الأفعال المرتجلة، وكان بإمكانها مثلاً أن تقلب الطاولة على رؤوس مناصري التقسيم الخارجيّين والداخليّين بأن تتنادى إلى طرح مشروع قانون يُصوَّت عليه علناً، يدافع عن وحدة العراق ويجرِّم أية محاولة لتقسيم البلد بشكل مباشر وغير مباشر، على أن يصاغ نصّه وآلياته التنفيذية بمنتهى الوضوح والصرامة… فهل فات الأوان على اقتراح كهذا أو ما يماثله أم ثمّة متّسع؟
* كاتب وصحافي عراقي
هل ترفض حكومة بغداد سياسة التقسيم حقّاً؟
هيفاء زنكنة *
رفض السياسيّون العراقيّون المنخرطون في برنامج الاحتلال السياسي «رفضاً شديداً» قرار مجلس الشيوخ الأميركي غير الملزم بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أساس طائفي وعرقي، وهي خطوة قد تبدو مشجّعة ظاهرياً، وخصوصاً أنّ المواطنين العراقيين يتمسّكون بكل ما يحافظ على الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي لمواجهة حملات التفتيت والتجزئة الاستعمارية. إلا أن قراءة تصريحات سياسيّي الاحتلال، وما تلاها من خطوات هزيلة مماثلة لما سبقها عبر سنوات الاحتلال، سرعان ما أوضحت أن الإمبراطور سيبقى عارياً مهما صفّق له سدنة المعابد المتفوّهين بكلمات الإعجاب بما يرتديه من ملابس مطرّزة، وأنّ قرار التقسيم مقبول فعلياً من حكومة الاحتلال وسياسيّيها وبرلمانها مهما كانت تصريحاتهم مغلّفة بعكس ذلك.
من بين الرافضين «بشدة» كان رئيس حزب الدعوة الإسلامي ورئيس وزراء الاحتلال نوري المالكي، ورئيس حزب المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، فضلاً عن تحالف الائتلاف الحاكم، حيث قال المالكي في تصريح صحافي إنّ الحكومة العراقية ترفض وبشدّة القرار، داعياً مجلس النواب إلى مناقشة القرار في جلسته المقبلة واتخاذ التدابير المناسبة للرد عليه، ما يعيد إلى الأذهان تصريحه يوم 23 أيار من العام الجاري، حين عقد مؤتمراً صحافياً في القاهرة أكّد فيه أنه أمر بوقف بناء الجدار العازل حول حي الأعظمية في بغداد، قائلاً إن بناء الجدار تم من دون موافقته. استبشر بعض السذّج خيراً، وخصوصاً بعدما قال سفير الاحتلال الأميركي ريان كروكر إن بلاده «ستحترم أوامر رئيس الوزراء العراقي بوقف بناء جدار الأعظمية». واحتاج السذج بعض الوقت ليفهموا أن آلية العمل في نظم «ديموقراطية الاحتلال» تستدعي تبادل التصريحات الناعمة والتظاهر باتخاذ خطوات وتشكيل لجان تحقيق ومتابعة وإقامة ندوات وورش عمل مع إبقاء سلطة اتخاذ القرار بيد المحتل حصراً. لذلك، بعد أيام من تبادل التصريحات بين المالكي وكروكر، وحالما خفتت الضجة الإعلامية، أكملت قوات الاحتلال بناء الجدار الذي حوّل حياة أهل الأعظمية إلى جحيم لا يُطاق، بل صارت سياسة بناء الجدران العازلة حول المناطق وسجن أهلها بحجّة حمايتهم، سياسة مقبولة وواقعاً لا يناقشه غير الأهالي المتعرضين.
وكان المالكي قد «غضب بشدّة» في العام الماضي، معلناً عزمه على المطالبة بإجراء تحقيق عراقي مستقل أو مشترك مع قوات الاحتلال في قضية اغتصاب الفتاة عبير قاسم حمزة من قوّات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) وقتلها وأفراد عائلتها بأبشع الطرق الهمجية. يومها قال المالكي إنه لا يقبل أي انتهاك «لشرف الشعب العراقي» معرباً عن اعتقاده بأن «الحصانة التي منحت للقوات الدولية شجعتهم على ارتكاب مثل هذه الجرائم»، مشيراً إلى أنه يجب أن تكون هناك مراجعة لهذه الحصانة. وسرعان ما تلاشى غضب المالكي ليستعيده من جديد منذ أيام عندما اغتالت قوات مرتزقة «بلاك ووتر» 17 مواطناً بريئاً، وتناسى المالكي أن المرتزقة يحملون ترخيصاً رسمياً بالقتل صادر عن حكومته. والمعروف أنّ قتلة «بلاك ووتر» عادوا إلى الشوارع بعد ثلاثة أيام من ارتكابهم مجزرة ساحة النسور وكأنّ شيئاً لم يكن.
وامتدّت أعراض الغضب والإدانة لتشمل أعضاء ما يُسمَّى البرلمان. إذ ناقش تقسيم العراق ضمن أجندته المتضمنة إصدار قرار بشأن وباء الكوليرا المتفشّي في عدة مدن في العراق نتيجة شرب المواطنين مياهاً مخلوطة بالمجارير، وسوء الأوضاع الصحية المتدهورة، والمشادّة العنيفة حول إمكان قوات البيشمركة (الميليشيا الكردية) احتلال جزء من مدينة الموصل خلال ساعتين إن لم تتم تصفية المشاكل المعلَّقة بين الأطراف المتنازعة في المدينة. ثمّ تمّ التصويت على قرار أدانوا فيه تقرير الكونغرس واستنكروه، داعين إلى الوقوف بوجه القرار عن طريق التكاتف السياسي! واستمرأ النوّاب أداء أدوارهم وشطارتهم فأضافوا إلى القرار: «على أن تقوم هيئة الرئاسة بإصدار بيان بهذا الخصوص يمثّل النواب».
في الوقت نفسه أعلن «المؤتمر الوطني العراقي» برئاسة الجلبي، أوّل عميل أميركي خرّجته شركة «رندون» للعلاقات العامة بعد حرب 1991، قبل ارتباطه الأوثق بالمحافظين الجدد واللوبي الصهيوني، عن رفضه لكل ما يمسّ وحدة العراق أرضاً وشعباً، إلا إذا تمت الإجابة عن أسئلة معيّنة تتيح النجاح للمشروع. ولعلّ أهم الأسئلة ما له علاقة بتوزيع النفط، حيث نفهم من البيان أن الاعتراض ليس منصبّاً أساساً على التقسيم، بل على كون قرار التقسيم غير مدروس بما فيه الكفاية ليتكفّل له النجاح. لذلك يلفت المؤتمر انتباه مجلس الشيوخ الأميركي إلى الإشكاليات التالية: «نتساءل من الذي سيحمي هذه الدويلات في المستقبل؟ فهل ستقوم الولايات المتحدة بتوفير الحماية العسكرية لهذه الدويلات في حالة قيامها التي ستكون بحاجة إليها؟»… وكأنه يضع خريطة طريق لهذه العملية. ثم «من الذي سيضمن توزيع الثروات النفطية عليها في حال تقسيم العراق؟ وهل ستفرض الولايات المتحدة بالقوة العسكرية موضوع توزيع تلك الثروات في حال وقوع التقسيم؟».
إنّ تعليب هذه الأسئلة ضمن بيان يرفض التقسيم ظاهرياً ما هو إلا محاولة لاستشراف إمكان تداولها، وبالتالي إيجاد الحلول «العملية» الكفيلة بتنفيذها، كأنّ القرار الأميركي بداية لمداولات وصفقات في شأن التفاصيل، ومن ضمنها التلويح بالمغانم المادية للخونة المحليّين الضالعين في التقسيم.
ودلّ تصريح وزير الخارجية هوشيار زيباري على أنه لايختلف كثيراً عن موقف الجلبي، إذ تساءل بعدما قرأ بسملة الرفض والاستنكار: «إذا قُسّمت البلاد على أسس طائفية وعرقية فإنه توجد بعض المناطق المختلطة فكيف تقسمها؟». وكرّر النائب عن «الائتلاف العراقي الموحد» سامي العسكري، أثناء مقابلة أجرتها معه قناة «الحرة»، صوت السياسة الأميركية في المنطقة، فكرّر تساؤلات الجلبي وزيباري الناعمة عن حيرتهما إزاء كيفيّة تقسيم «المناطق المختلطة»، وبذلك اختزل المشروع الإمبريالي الصهيوني إلى نقطة محيّرة واحدة، وهي كيفية تقسيم المدينة المختلطة بغداد؟
ولعلّ أكثر المواقف وضوحاً ومساندة للتقسيم هو موقف الحزبين الكرديّين القوميّين، بالإضافة إلى «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق» برئاسة عبد العزيز الحكيم، الذي أعلن في آب 2005 رغبته وحزبه بالاستحواذ على دويلة الجنوب، وتبعه في نشر بذور فكرة التقسيم نائب ما يسمى رئيس العراق عادل عبد المهدي. ففي مقابلة أجرتها معه مجلة «نيوزويك» في تشرين الأول 2005، تحدث بشاعرية عن «العملية الدستورية التي ستعيد العراق إلى عصره الذهبي القديم أيام كان مقسَّماً إلى ثلاث ولايات مركزها المدن الكبيرة، بغداد والموصل والبصرة»، وحين شبّه ما سيصبح عليه حال العراق عند تطبيق الدستور الجديد بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتذكّرني مواقف سياسيّي الاحتلال الداعين إلى رفض التقسيم ظاهرياً والعمل على تنفيذه عملياً، بلقائي بأحد الصحافيين الأميركيّين أثناء حضوري مهرجان الأدب العالمي في سيدني في العام الماضي. وكنت قد شاركت الصحافي منصّة الحوار حول قضيّة انسحاب القوّات الاميركية من العراق. وتبيّن من النقاش أنّ الصحافي الديموقراطي يقف ضدّ إدارة الرئيس جورج بوش، لا لأنها احتلت العراق وسبّبت مقتل مئات الآلآف من المدنيّين الأبرياء، وحرقت الأخضر واليابس، بل لأن إدارة بوش لم ترسل قوات كافية للسيطرة على العراق والقضاء على «التمرّد المسلّح» فيه. الخلاف الجوهري إذاً نابع من فشل إدارة بوش في تحقيق نصر دائم في العراق يمنح الإمبراطورية التوسعية غنائم تمدّها بالغذاء اللازم لمواصلة سياسة التوسع. كما أنّ فكرة التقسيم لدى الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال، خلافاً لما هو ظاهر، مقبولة إذا ما نجح الاحتلال في الهيمنة العسكرية والاقتصادية على العراق. إلا أنّ وجود المقاومة العراقية الوطنية عرقل مشروع الهيمنة والتوسع، فلم يبق أمام الإمبراطورية غير لملمة قواها والعمل على تقسيم العراق تدريجياً، وبخطوات تتراوح ما بين طرح الأسئلة من أحزاب الاحتلال وتحويل الفكرة المستنكرة بداية إلى فكرة مألوفة، ومن ثم إلى فكرة مقبولة، معروضة للنقاش واحتمالات التطبيق.
* كاتبة عراقية
الفيدراليّة ووحدة «ما بين النهرين»
خورشيد دلي *
أثار قرار مجلس الشيوخ الأميركي القاضي بتقسيم العراق إلى مناطق ثلاث (الشمال الكردي، الوسط السنّي العربي، والجنوب الشيعي) على أساس فيدرالي، جدلاً كبيراً داخل العراق وخارجه. ولعلّ مصدر هذا الجدل هو اختلاف الرؤية تجاه ما يطرح والهدف منه. ففي الداخل العراقي تراوحت الردود بين الترحيب الكردي بالقرار والرفض السنّي العربي له، وكذلك الرفض الشيعي، لكن من دون أن يعني هذا الرفض التخلي عن النظام الفيدرالي حسب الدستور العراقي الذي أقره مجلس النواب عام 2005. خارج العراق تفاوتت الردود أيضاً، إذ رفضت كل من سورية وتركيا القرار. تركيا وجدت فيه مدخلاً لتفتيت العراق، وهي عينها هنا على الكيان الكردي والخوف من إقامة دولة كردية تنعكس على أكرادها في الداخل، فيما ندّدت سورية بالقرار انطلاقاً من سياستها القومية والوطنية، ووجدت فيه مقدّمة لتفتيت دول المنطقة، بينما لم تعلّق إيران على القرار بشكل مباشر باستثناء بعض الإشارات البسيطة التي تؤكد رفضها مبدأ التقسيم.
الأكراد، في معرض ترحيبهم بالقرار، يقولون إنّه جاء منسجماً مع الدستور العراقي الذي أقرّ بأنّ عراق ما بعد مرحلة صدام حسين هو فيدرالي ديموقراطي موحّد. وهم في الأساس ينظرون إلى الفيدرالية على أنها تشكل ضمانة لعدم عودة الديكتاتورية، وطريقة عقلانية لإدارة البلاد وتوزيع السلطات وممارسة الحكم والديموقراطية وتوزيع الثروات، بينما القوى الرافضة للقرار تجد فيه مدخلاً لتقسيم العراق، إلى درجة أنّ البعض وصف القرار بوعد بلفور ثانٍ في إشارة إلى قرار تقسيم فلسطين، كما أنه سيؤدي إلى إذكاء الصراع الطائفي، وربما الحرب الأهلية.
في الواقع، مع المبررات التي يسوقها الطرفان والتي تبدو منطقية في الحالتين نظراً لتعقيدات الوضع العراقي وتحمُّل مشهده أكثر من وجه في ظل الاحتلال، فإنّ الجدل الجاري يشير إلى جملة من العوامل، وأهمّها:
1ـــــ إنّ الفيدرالية تبدو حتى الآن بالنسبة إلى منطقتنا فكرة غربية قادمة عبر الأطلسي، وكثيراً ما تُربَط بالمخططات الأميركية ـــــ الصهيونية، أي إن المنطقة تفتقر إلى ثقافة الفيدرالية ومفاهيمها على صعيد الإدارة والحكم وأسلوب التنمية، فيما لا تزال الأفكار الأيديولوجية، سواء القومية منها أو الدينية الضيقة، تتحكم بأنساق التفكير. لعل هذا ما يدفع بالعديد إلى رفض الفيدرالية من دون التمعّن فيها، فيما يرى البعض القليل أن الفيدرالية لا تعني التقسيم، بل أصبحت طريقة وحيدة لتوحيد العراق وحفظ وحدته الجغرافية بعدما قطعت الأقاليم العراقية، ولا سيما الشمال الكردي، أشواطاً بعيدة في مجال التأسيس لبنية محلية في الحكم والإدارة والاستقرار النسبي.
2ـــــ إنّ الفيدرالية كمفهوم تم الموافقة عليه بموجب استفتاء، كما تم إقراره دستورياً، ووافقت القوى التي ترفض القرار الأميركي على الفيدرالية عندما أقرت الدستور. وبالتالي يشكّل الرجوع عنه انتكاسة سياسية للعملية السياسية الجارية، ويشرّع الباب أمام تعميق الانقسامات السياسية والتدخّلات الخارجية. وعليه، فإنّ من يرفض الفيدرالية التي أسّست دستورياً قد يسبّب التقسيم ودفع العراق أمام المجهول.
3ـــــ إنّ البحث عن عراق جديد معافى يتعايش فيه الجميع بسلام ووفاق يتطلب الاقتداء بتجارب ناجحة في الحكم والنظام والإدارة والتنمية. يستشهد أصحاب هذا الرأي بالتجارب الفيدرالية التي سادت أوروبا مع اختلاف نماذجها والتي حققت في النهاية لأوروبا نهضة اقتصادية واجتماعية وسياسية. من الواضح أنّ العوامل السابقة تعزز فكرة النظام الفيدرالي، لكونه طريقة عقلانية لإدارة يمكن من خلالها الحفاظ على وحدة العراق وتعدّد مكوّناته القومية والمذهبية والعرقية، وخاصة بعد فشل تجارب الحكم المركزي منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1920. وعلى مستوى الممارسة، إن القوى السياسية العراقية الموجودة في الحكم حالياً أقرت في مؤتمر لندن، ومن ثم صلاح الدين قبل نحو عقدين من الزمن مبدأ الفيدرالية. وعليه، يرى البعض أن الفيدرالية أضحت صيغة توافقية للحفاظ على وحدة الدولة العراقية، إذ بغيرها يبدو أن التقسيم واقع لا محال، فيما هذا الأمر لا يخفي مجموعة من الإشكاليات التي يمكن حصرها في نقطتين:
1ـــــ إن هناك اختلافاً بين القوى المتفقة على مبدأ الفيدرالية على طبيعة هذه الفيدرالية. فالأكراد يطرحون الفيدرالية على أساس قومي جغرافي صيغةً لكيانهم القومي الخاص بهم، والشيعة (دعوة عبد العزيز الحكيم لفيدرالية الجنوب) يطرحونها من باب طائفي شيعي لمسألة إدارة الجنوب، وبعض القوى (العلمانية) تنظر إلى المسألة من باب إداري لا أكثر، فيما تبقى مجموعات رافضة للفيدرالية من الأساس.
2ـــــ إن الفيدرالية كصيغة للحكم في العراق تثير مخاوف وحفيظة الدول المجاورة للعراق وبشكل خاص تركيا وسوريا اللتين تجدان فيها مدخلاً لتفتيت العراق تمهيداً لتقسيم دول المنطقة التي تزخر بتعدد القوميات والأقليات الإثنية والدينية.
تختلف الرؤية الأمريكية لقرار التقسيم عن هذه الحسابات، وتدخل في إطار البحث عن مخرج أميركي من العراق. وهؤلاء يرون أن مسألة التقسيم أصبحت تحصيل حاصل بعد ما شهده العراق من أحداث خلال السنوات الماضية. وبالتالي، فإنّ مسألة التقسيم ليست مشكلة، وخاصة أنّها تبدو في صلب التفكير السياسي الأميركي والأهداف الاستراتيجية الأمريكية. ونظرة واحدة إلى ما جرى مع الاتحاد السوفياتي السابق وإندونيسيا ويوغوسلافيا تجعل مسألة التقسيم مسلّمة في الفكر السياسي الأميركي، وعليه لا يستبعد أن يفكر الرئيس الأمريكي المقبل بخطة بايدن على أنها تمثل اتفاق دايتون البوسني إذا وجد في ذلك مخرجاً للأزمة الأمريكية من العراق.
بغضّ النظر عن الحسابات والرؤى، فإنّ السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن الحفاظ على وحدة العراق؟ هل بفيدرالية تعيد هيكلة العراق من جديد، أم بحكم مركزي يدفع الأطراف إلى الانفصال؟ سؤال يكاد يساوي الفيدرالية بالتقسيم، فيما المنطق يقول إنّ أي نظام سياسي ينبغي أن يقوم على أولويات أساسية تتلخص في الحفاظ على وحدة العراق، وإيجاد حل متفق للقضية الكردية وحل إشكالية الحكم في بلاد يصعب قيادتها مركزياً.
* كاتب سوري