استعراض المجد والقوّة في الساحة الحمراء بموسكو، كان إعلاناً مسلحاً بقيام العالم المتعدد الأقطاب؛ روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي العظيم، هي التي هزمت النازية والفاشية، بستةٍ وعشرين مليون شهيد وشهيدة، وبدمارٍ شامل للبلاد؛ تنسى ألمانيا أنها هي التي كانت وراء هذه المأساة، وتنسى فرنسا المهزومة أنها تواطأت، حتى الذل، مع النازيين، وتنسى بريطانيا أن العدو لم يقترب من جزيرتها، وتنسى الولايات المتحدة أنها لم تشارك في الحرب إلا في خواتيمها، وبدلاً من تقديم التضحيات، لنيل قيادة الغرب، ضحت بمئات الألوف من اليابانيين في هيروشيما وناغازاكي؛ إنها الدولة الوحيدة التي استخدمت القنابل النووية منذ اختراعها، من دون حاجة حربية؛ فمقاتلو روسيا والصين، كانوا قد ألحقوا الهزيمة، فعلاً، بحلفاء النازية في طوكيو.
لكننا، نحن أيضاً، أي من موقع الصداقة، ننسى أن روسيا التي أنقذت البشرية من عبودية النازية والفاشية، فعلت ذلك بتضحيات تسببت لها بنقاط ضعف استراتيجية؛ النقص السكاني الفادح وآثاره البعيدة المدى على فعالية الانتاجية والسوق الوطنية، والدمار الذي كان تعويضه مكلفاً، ليس من حيث الموارد فقط، وإنما من حيث امكانيات تطوير النظام السياسي لاحقاً؛ ذلك أن مرحلة إعادة البناء، بعد الحرب العالمية الثانية، كررت، موضوعياً، التشدد السياسي الداخلي، لمرحلة البناء بعد الحرب العالمية الأولى. ولعله، بسبب كل هذه الضغوط التي تحملها الروس وأشقاؤهم في الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك نفقات التسلّح ودعم الشعوب ــــ ومنها، بل في مقدمتها، الشعوب العربية ــــ انهار الاتحاد الذي صمد أمام النازية الجبارة، في ما بدا أنه سخرية تاريخية، على أيدي نازية من نوع جديد، رثة ومتخلفة، ولكنها السلاح الأشد فتكاً في أيدي الإمبريالية الأميركية، أعني الفاشية الإسلامية، تلك التي أصبحت قوة التدخل الأميركي، الأكثر فظاعة، من أفغانستان إلى العراق والجزائر واليمن ومصر وتونس، ولكن، بشكل خاص، في سوريا؛ فالعدوان على هذا البلد، يوازي سطوع مثاله التعددي العلماني، وحجم انجازه، وعمق استقلاله. سوريا التي تمثّل، اليوم، في الشرق العربي، ما كانت ــــ وما تزال ــــ تمثله روسيا في أوروبا وآسيا، أي الاستقلال والعزة القومية والأخوة، تواصل المهمة نفسها، مهمة مقاومة الفاشية، والدفاع عن الحضارة ونمط الحياة المتمدن والحق في الدولة الوطنية المتحررة من التبعية. لذلك، كانت مشاعر السوريين والعرب الأحرار، بالفخر باستعراض القوة الروسية، في العيد السبعين للنصر على النازية في موسكو، ترنو، أيضاً، إلى استعراض مثله للجيش السوري، في دمشق المنتصرة.
في الثلاثينات، صعدت الحركات النازية والفاشية من قلب الأزمة المتجددة للرأسمالية الغربية، ورأت الأنظمة الغربية فيها، أداة فعّالة لضرب الحركات الاشتراكية والعمالية، وتدمير الاتحاد السوفياتي، وانتهى كل ذلك بكارثة، لحقت، أيضاً، بالدول الرأسمالية الأوروبية. لكن الغرب، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «لم يتعلّم الدرس»؛ ولن يتعلّمه، فهذا الاصطفاف مع الفاشية العرقية في أوكرانيا، وخصوصا مع الفاشية الإسلامية في العالم العربي، ليس معيباً ولاأخلاقيا، فقط، وإنما سيرتدّ على داعميه؛ أوروبا، في المدى المنظور، مهددةً، وجوداً وحضارة ونمط حياةٍ، بالفاشيتين العرقية والاسلامية. هكذا، يغدو كفاح أبطال الجيش السوري وحزب الله، اليوم، في مواجهة الوهابية والعثمانية والتنظيمات التكفيرية الارهابية، كفاحاً، لا من أجل سوريا ولبنان، فقط، وإنما من أجل العرب وايران وروسيا والصين، والبشرية جمعاء؛ حُماة الديار، اليوم، هم ورثة أبطال الجيش الأحمر المحتفل بنصره السبعين.
النصر! ليست هذه كلمة تُقال، إن ثمنها باهظٌ جداً. وهي ليست مجرد تعبير عن نصر عسكري، وإنما تعبير عن إرادة الاستقلال؛ حين انهار الاتحاد السوفياتي، لم تكن تنقصه القوة العسكرية، وإنما افترس الفايروس الليبرالي، نخبه التي توهمت أنها تستطيع، بصفقةٍ مع الغرب، أن تدمج روسيا في النظام الرأسمالي العالمي؛ فلم تحصد سوى التفكك والتراجع والمهانة، طوال عقد التسعينات، حتى استعاد التيار القومي، السلطة، وعلى يدي بوتين والبوتينية، وخلال خمسة عشر عاما من إعادة بناء الاستقلال، نهضت روسيا، قطبا دوليا، ومركزا لتحالف دولي بالشراكة مع الصين العظمى؛ لم يستطع الإمبرياليون هزيمة روسيا، لا في جورجيا ولا في سوريا ولا في أوكرانيا، ولم يتمكنوا، بالعقوبات والمضاربات على أسعار النفط واستخدام الأدوات المصرفية الخ، أن يحطموا روسيا، اقتصاديا؛ فلم تتراجع البوتينية، بل تجذرت، ولم ينجُ الاقتصاد الروسي فقط، بل أظهرت الصناعات الدفاعية الروسية، أنها ما تزال في المقدمة. وليس ذلك ممكنا، كما هو معروف، من دون قاعدة صناعية وعلمية واقتصادية متينة.
سوف نحتفل، نحن أيضا، بعيد النصر في ساحة الأمويين في دمشق؛ وستشارك الجيشَ السوري والمقاومة، وحداتٌ من القوات الإيرانية والروسية والصديقة في استعراض عسكري يقول إن فجرا جديدا للبشرية يبدأ، ويصونه معسكر الاستقلال والسلام من بكين.. إلى شواطئ اللاذقية وبيروت.
بهدوء | المهمة؛ من الجيش الأحمر إلى حُماة الديار
Posted in Uncategorized.