على الرغم من أن العلاقات التي ربطت عمان بالرياض، خصوصاً منذ احتلال العراق في العام 2003، تميزت بكونها وطيدة، فهي، في الواقع، نتيجة الاضطرار الأردني، بأكثر مما هي نتيجة قرار ورؤية؛ ففي السابق، كانت عمان تعتمد على الحليف العراقي، اقتصادياً وسياسياً، وتمارس استقلالها، وأحياناً تمرّدها الصريح إزاء الخليج. اليوم، وبينما يتأرجح الأردن في الفراغ الذي خلّفه «الربيع العربي»، يتقدم رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بخطى مصممة، نحو استعادة الحلف التقليدي مع الأردنيين.
حلّ وفد وزارة النفط العراقية في عمان، الثلاثاء الماضي، وفي جعبته اتفاقية مد أنبوب نفط البصرة ـــ العقبة، موقَّعاً من طرف العراق، بانتظار الملاحظات الأردنية، ومن ثم السير في إجراءات التعاقد والبدء بالتنفيذ. العراقيون جادّون كلياً، ومستعجلون؛ ففي جدولهم الزمني إصرار على وضع الخط قيد العمل في مطلع 2017، على الأكثر.
رئيس هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء العراقية، ثامر الغضبان، أعلن أن بغداد رسمت وقررت، بالفعل، «خارطة الطريق» لمشروع أنبوب النفط العراقي الأردني، الذي سيتغذى من نفط الجنوب، »يرافقه أنبوب آخر للغاز الطبيعي»، ويُخصص، حصراً، حسب عضو الوفد، المهندسة نهاد الموسى، لـ «التصدير عبر ميناء العقبة بواسطة البواخر، وتزويد الأردن باحتياجاته».
الجانب الأردني، من جهته، أعدّ التصميمات ورسم خط سير الأنبوب في الأراضي الأردنية، ورصد الأموال اللازمة لاستملاكات الأراضي الخاصة بالمشروع، غير أن شيئاً ما في أداء المسؤولين الأردنيين، يظهر أنهم لا يصدّقون ما يحدث، ربما لأنه جيد بأكثر مما يمكن أن يكون حقيقياً، وربما لأن الأوساط المرتبطة بالمرجعيات الغربية والسعودية، لا ترحّب بهذا الحجم من الشراكة مع العراق.
في العادة، يجري التهليل السياسي والإعلامي لمشاريع اقتصادية أصغر بكثير من مشروع أنبوب البصرة ـــ العقبة، الذي لا يحظى بالتغطية نفسها. صحيح أن رئيس الوزراء الأردني، عبدالله النسور، أعلن أن علاقة البلدين الاستراتيجية، «تتجاوز الأنظمة والحكومات»، إلا أن هذا الإعلان يظلّ يتيماً، في مقابل التسونامي النفطي العراقي.
من الواضح أن المالكي يتّبع مع الأردن سياسة الهجوم الودّي المثابر؛ يبدو مصمماً على استعادة الشراكة العراقية ـــ الأردنية، في أقرب وقت ممكن. وهو يدرك، كما سلفه الرئيس الراحل صدام حسين، إن تقسيمات سايكس بيكو، جعلت من الأردن ممرا اًجبارياً، يتميز باستقراره، للعراق. وتشكل دكتاتورية الجغرافيا الاقتصادية، هنا، البنية التحتية المؤسِّسة للشراكة السياسية والاستراتيجية التي لم تستغن بغداد عنها منذ قيام الدولتين، في مطلع عشرينيات القرن العشرين.
أنبوب البصرة ــــ العقبة، والمؤمَّل أن ينقل حوالي مليونين وربع المليون برميل يومياً، يمثّل حاجة ملحة لتطوير صادرات العراق من النفط والغاز. ومن الناحية الجيوسياسية، سيحرّر المشروع، العراقيين، من الاعتماد على أنبوب النفط العراقي ـــ التركي، في ظل توتر، يبدو أنه سيغدو مزمناً، في العلاقة بين البلدين. وتتهم بغداد، أنقرة، بالتدخّل الفظ في شؤون العراق الداخلية، وبالعمل على إثارة الفتنة الطائفية والتخطيط لتقسيم البلد، وتتوجّس من مفاعيل التحالف القائم بين تركيا وكردستان العراق، والأطماع التركية (العثمانية) في الموصل.
لا يزال تطوير أنبوب النفط العراقي ــــ السوري، مرجَئاً إلى أمد غير معروف، بسبب الأزمة المستمرة في سوريا، بينما تعاني الصادرات النفطية العراقية، عبر الخليج، من مشكلات جمة، ومخاطر غير محسوبة. هكذا، يبدو المنفَذ الأردني، اليوم، ضرورة عراقية، مثلما هو، بالنسبة للاقتصاد الأردني، ضرورة حياة. وكان العراق وافق، من حيث المبدأ، على مشروع إيراني لمدّ أنبوب لتصدير النفط من البصرة عبر إيران إلى بحر العرب، بطول خمسة آلاف كيلومتر، إلا أنه أرجأ تنفيذه، حالياً، لصالح الشروع في تنفيذ الأنبوب الأردني الأقصر طولاً (1690 كيلومتراً)، الممكن إنجازه، وفق مصدر عراقي، بين 24 و36 شهراً، بالنظر إلى التقنيات الجديدة في مد الأنابيب المطمورة على عمق متر تحت الأرض، والمزودة بمجسّات أمنية فعّالة.
سيزوّد العراقُ، الأردنَّ، عبر أنبوب البصرة ـــ العقبة، بكافة احتياجاته من النفط والغاز، بأسعار تفضيلية (بفارق 20 دولاراً للبرميل عن السعر العالمي)، ويخطط لإنشاء مصفاة نفط حديثة في العقبة، ويكون، بذلك، قد حلّ أزمة فاتورة الطاقة المستعصية في البلد المحروم من الثروة النفطية، كما أن العائدات الأردنية من الأنبوب، ستصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار سنويا، أي ما يزيد على كامل العجز في الموازنة العامة. وهو ما سيحرر عمان من الاقتراض ومن السعي للحصول على المساعدات السعودية والخليجية والغربية، ويؤمّن لها القدرة على الاستقلالية السياسية، أو أقلّه توسيع مروحة المناورة أمامها.
بهدوء | العراق يستعيد استراتيجية التحالف مع الأردن
Posted in Uncategorized.