بهدوء | السيسي؛ كتلة الوسط بين الرياض وطهران

لكيلا يكون هناك أي التباس، حصّن القضاء المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبيل زيارته إلى السعودية، من سوء الفهم أو الإغواء. فقد صدرت أحكام مشدّدة على قيادات إخوانية، وتم الإعلان عن «حماس» وجناحها العسكري بوصفهما منظمتين «إرهابيتين»، ونفت الرئاسة المصرية، قطعياً، أن تكون هناك أي مبادرة لتعويم شخصيات معتدلة من الإخوان المسلمين. على هذا اعتبر الرئيس التركي، رجب أردوغان، أن السؤال عن امكانية لقائه بالسيسي في السعودية، مجرد «مزاح». في الواقع، لم يكن اللقاء على الأجندة المصرية، أصلاً.
يسعى الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، مستعجلاً، إلى تكوين تحالفات خارجية ملائمة لتمكين فريقه الإنقلابي من ترسيخ سلطاته، وتفويت الفرصة على خصومه الداخليين للإفادة من الثغرات والعداوات المتراكمة في السياسة السعودية الخارجية. فالصراع داخل العائلة الحاكمة، عميق، ومتفاعل مع صراعات اجتماعية وسياسية ومذهبية، تنضج في قلب المملكة، المحاصرة بثورتين صاعدتين، في اليمن والبحرين، ولكلٍ منهما امتداد داخل الاتحاد السعودي الهشّ: الحوثيون وتأثيرهم المتنامي في محافظات نجران وجيزان وعسير، والحراك البحريني وتأثيره المُعدي في شرق السعودية.
يأمل سلمان، قبل كل شيء، بإرضاء واشنطن، من خلال تنفيذ مطلبها الجيوسياسي بإنشاء «حلف سني» متراصّ، وموحّد السياسات والخطط والأدوات. وهو ما يفتح، بحد ذاته، الباب أمام استيعاب الخلافات مع قطر وتركيا والإخوان المسلمين، وانخراط الأطراف في (1) تشكيل صيغة سياسية جامعة ومقبولة لسنّة العراق، تتيح للحلف ذاك، الحصول على مقعد رئيسي في التسوية العراقية، و(2) إعادة تأهيل المنظمات الإرهابية في سوريا، كمعارضة سياسية ــــ عسكرية «معتدلة»، بما يسمح بمشاركتها في التسوية السورية؛ أقله وفق المثال اللبناني.
لم يترك النظام المصري أي شك في رفضه الدخول طرفاً في حلف طائفي يضم تركيا، أو يشتمل على حركات ومعارضات، أو يسمح بإعادة تأهيل الإخوان المسلمين. ويقترح، في المقابل، حلفاً عربياً بين دول (السعودية والإمارات والأردن، في مرحلة أولى)، وليس مغلقاً أمام العراق؛ بل أن سوريا ليست مستبعدة من ذلك الحلف، في خطة السيسي؛ يعني ذلك أن القاهرة تتجه إلى إحياء صيغة من التضامن العربي ـــ غير الطائفي، في مواجهة الأزمات والحركات الإرهابية.
يتمتع نظام الجنرالات في مصر الآن، بتراكم قوى وامكانات، لم تكن متاحة لأي نظام مصري منذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. هذا لا يعني التماثل، بل يشير إلى التشابه النسبي في القدرة على الاستقلالية السياسية واتساع هامش المناورة؛ فنظام السيسي (1) يحظى بتأييد شامل لدى المؤسسة العسكرية التي استعادت كامل هيمنتها على الدولة والسياسة والاقتصاد والمجتمع والاعلام، (2) ويستند إلى شعبية كاسحة همّشت قوى المعارضة والموالاة معا، (3) ويتمتع باستعداد روسيا ـــ بوتين لمنح مصر، وضع الأولوية في تحالفات موسكو في المنطقة (تذكروا أن روسيا، على الضد من الولايات المتحدة والغرب، وافقت فوراً على المسعى المصري إلى قرار أممي لمقاتلة الإرهاب في ليبيا، وعرضت أن تكون عضواً في حلف ينهض بهذه المهمة). كذلك، (4) تتلهف الصين لعلاقات متينة مع مصر، للاستثمار فيها، وللتنسيق معها في أفريقيا، حيث للصينيين مصالح كبرى. (5) وبالنسبة للسعودية، فهي ليست في وارد الدخول في مغامرة القطيعة مع مصر، لصالح تركيا؛ صحيح أن الرياض ستتقرّب من الحلف التركي، والأرجح أنها ستخفّض من حجم مساعداتها للمصريين، لكنها مضطرة، في ظل مخاطر الوضع الإقليمي المتنامية، إلى الحفاظ على علاقات ودية مع القاهرة. (6) على أن كل ذلك، لا يسير بالعلاقات المصرية ــــ الأميركية نحو القطيعة. الولايات المتحدة لا تزال تأمل بالحفاظ على مكانتها في مصر، على رغم ادراكها بأنه لا عودة إلى ما قبل ثورة 25 يناير 2011. (7) وأخيراً، لا آخراً، فإن إسرائيل التي تتحسّب لمخاطر الجبهة الشمالية، ليست لديها مصلحة أو قدرة على تحدي القاهرة، أو احراجها.
استقلالية السياسة المصرية ــــ ولو النسبية ــــ هي ربح صافٍ لمحور المقاومة؛ وأبسط ذلك الربح أن الكتلة المصرية الوازنة هي التي تحول دون تكوين حلف مذهبي طائفي في المنطقة، تحت قيادة الولايات المتحدة، وبالتواطؤ مع إسرائيل.
بسبب تجريمها لحركة حماس بالإرهاب، ستتعرّض مصر لهجمة سياسية ــــ اعلامية، هي، بالنسبة إليها، أشبه بزوبعة في فنجان. فالوطنية المصرية في حالة صعود، بحيث أنها لن تصغي لصرخات حماس، كما أن الطلب على الدور الإقليمي لمصر، يحرّرها من الضغوط في تعاملها مع الشأن الفلسطيني، خصوصا أن القاهرة التي أدانت حماس بالإرهاب، فتحت ذراعيها لاستقبال حركة الجهاد الإسلامي، رسميا، لـ «البحث في العلاقات الفلسطينية ــــ المصرية». إنها رسالة ودية، وشديدة الوضوح، موجهة، بالذات، إلى محور المقاومة: نحن أو حماس.

Posted in Uncategorized.