ليلة الأربعاء الماضي، تجمّع العشرات من أنصار الإخوان المسلمين الأردنيين، على دوّار جمال عبدالناصر ـ الدوار الرئيسي بالنسبة لمواصلات العاصمة عمان ـ؛ هل كانوا يخططون للشروع باعتصام؟ على الأرجح لا، فلا الحشد كاف (لم يزد، في النهاية، عن مئتين)، ولا نحن في آذار 2011، حين كانت المعارضة الأردنية موحدة تحت الشعار الديموقراطي، وقادرة على الدفع بجماهير بعشرات الآلاف إلى الشوارع والميادين. !<--break-->
ما الخطب إذاً؟ أراد الإخوان أن يبعثوا برسالتين، الأولى أنهم قرروا كسر المحرمات الأمنية (ومنها الاعتصام على الدوار الحيوي المذكور) والثانية ــ وهي الأهمّ ــ أنهم يتجهون إلى تغيير شعارهم المركزي من «إصلاح النظام» إلى اسقاط النظام، هاتفين، لأول مرة في سيرة الحراك الأردني، «نعلنها جمهورية. شرق وغرب أردنية».
فضّت قوات الأمن اعتصام الإخوان سريعاً، لكن صدى الشعار الجديد أثار العديد من التساؤلات؛ فخلال العامين الماضيين من الحراك الشعبي، جرى الهجوم، مراراً، على شخص الملك، ولكن ظل النظام الملكي خارج الهجمات ومطالب التغيير التي تركّزت على تحويل الملكية إلى نظام ديموقراطي على النمط الغربي. ومع ذلك، فليس شعار «الجمهورية» هو الذي صدم قوى الدولة العميقة والحركة الوطنية معاً، وإنما حدود الجمهورية المقترحة: جمهورية الضفتين، أي، باختصار، كونفدرالية أو فدرالية تلغي الدولة الأردنية ومشروع الدولة الفلسطينية، وتقيم فيهما إمارة إخوانية.
يواجه الإخوان سدّين، النظام في الأردن والسلطة في الضفة ــ وبغض النظر عن الموقف منهما ــ فإن إلغاء وجودهما وشرعيتهما الواقعية، هدف إخواني لا يتحقق إلا بإلغاء الحدود السياسية التي أنتجها فك الارتباط الإداري والقانوني بين المملكة والضفة الغربية، منذ العام 1988. وهو القرار الذي سمح، لاحقاً، بالإعلان عن الدولة الفلسطينية في العام نفسه. ولم تعترف به جماعة الاخوان أبداً.
علينا، هنا، أن نلاحظ فوراً أن المشروع الإخواني لجمهورية الضفتين، ينسجم، تماماً، مع المشروع الإسرائيلي الصهيوني الذي يرفض الدولة الفلسطينية، ويريد تصدير مسؤولية «السكان» إلى شرق النهر، وأكثر من ذلك، حل مشكلة اللاجئين من سوريا ولبنان وكل مكان آخر من خلال توطينهم في «الجمهورية» الجديدة، الأردنية ــ الفلسطينية… ويمكن أن يتم كل ذلك تحت أكثر الشعارات ثوروية؛ فالمهم بالنسبة للإسرائيليين، ما يحدث فعلا على الأرض، لا ما يقوله الخطباء! وليس لدى الإخوان ما يمنعهم من التمسك بالشعارات، ورفض الصلح والاعتراف والتفاوض الخ ومن ثم التوقيع على الهدنة لـ 100 عام؛ أليس ذلك ما يفعلونه في غزة؟ ألم يحوّلوا المقاومين إلى بيادق في صراع الاخوان لحكم مصر؟ ألم ينتقل إخوان مصر أنفسهم من الوعيد بتحرير القدس، إلى شرب الأنخاب مع «الصديق العزيز شمعون بيريز» وتمني «الازدهار» لدولة إسرائيل؟
في 24 آذار 2011، كنتُ مع المئات من النشطاء الوطنيين والقوميين واليساريين الذين نظموا أضخم اعتصام شعبي ديموقراطي في تاريخ المملكة، لكن، حالما استولت ميليشيا الإخوان المسلمين على الاعتصام، بدأت تبرز شعارات تحريضية ضد المؤسسة العسكرية والأمنية، ومطالب تصب في مشروع التوطين السياسي. وقد تابعت، فيما بعد، خطاب الإخوان السياسي على مدار أشهر الحراك، ونشرت العديد من التحليلات التي استنتجت أن البرنامج الإخواني الفعلي ليس محلياً، وإنما يهدف إلى الاستيلاء على الحكم في الأردن، كمقدمة ضرورية للاستيلاء على الحكم في الضفة الغربية، وتكوين سلطة إخوانية تشمل الأردن والمناطق الفلسطينية ــ التي يتخلى عنها الاحتلال من طرف واحد ــ والفلسطينيين. وإذا كان مفهوماً أن مشروع كهذا لا أمل له بالتحقق إلا برعاية أميركية وتفاهم واقعي مع إسرائيل، فقد كان شهر العسل الإخواني ــ الأميركي، يسمح بالانتظار لقطف ثمرة عمان ــ بلا جهد ــ إذا ما سقطت دمشق.
ما الذي دفع إخوان الأردن، الآن، وهم يعيشون زمن التراجع، إقليمياً ومحلياً، إلى التصريح بمكنون خطتهم السياسية؟
إخوان الأردن هم، في النهاية، فرع لحماس؛ وهل بقيت لحماس فرصة ــ بعد الهزيمة على الجبهتين، السورية والمصرية ــ لفك عزلتها واستعادة مكانتها ودورها، سوى بافتتاح جبهة جديدة في الأردن، حيث تمتلك قواعد شعبية وشبكات تنظيمية، لتحقيق ما يلي: (1) الضغط على الأميركيين في استقرار دولة «حليفة» (2) عزل السلطة الفلسطينية، (3) التلويح للإسرائيليين بقدرة حماس، وحدها، على التوصل إلى حل «واقعي» يتقاطع مع المشروع الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية: شطب الدولة الأردنية في جمهورية تضم أرض الأردن والسكان الفلسطينيين، بما في ذلك جُزر الاكتظاظ السكاني في الضفة الغربية.
بهدوء | إخوان الأردن: نريدها جمهورية للضفتين!
Posted in Uncategorized.