بعد عشرين شهراً مما يشبه الغطرسة، يعيش الإخوان المسلمون الأردنيون أزمة العزلة السياسية والتفكك الداخلي. يمكن القول إن التطورات المصرية والسورية دمّرت خطابهم السياسي، بينما شقّهم تناقض الأجندتين، الحمساوية الفلسطينية والوطنية الأردنية، إلى حزبين.
على مستوى الخطاب، انتقل إخوان الأردن إلى موقع دفاعي؛ فلطالما ارتكزت دعاويهم على جملة شعارات أسقطها الرئيس الإخواني المصري، محمد مرسي، حين أقرّ كامب ديفيد والسلام وعودة العلاقات مع إسرائيل، وشرّع الاستدانة من صندوق النقد الدولي، وسياسات جذب الاستثمارات الأجنبية ومحاباة رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفقراء، وأقرّ دستوراً استبدادياً، وتفرّد في القرار، واعتدى على القضاء، واستخدم الميليشيات ضد المعارضة إلخ. لم يبق لدى إخوان الأردن أي شعار لم يكسره مرسي؛ خسروا معركة الصدقية، في حين ارتفعت أسهم التيارات الوطنية الشعبية واليسارية والقومية، وهي التي طرحت _ بخلاف الإخوان المعنيين، أولاً، بآليات الوصول إلى الحكم _ برامج شاملة على المستويات الثلاثة المتشابكة؛ الديموقراطية والاجتماعية والوطنية.
في هبّة تشرين الماضي، اقتربت حصيلة الاعتقالات من 300 معتقل، كان بينهم 3 فقط من الإخوان. وهو ما يعكس درجة تراجع الجماعة في مضمار العمل الجماهيري، وتدنّي استعداد عناصرها للانخراط في نضال اجتماعي مطلبي لا ينطلق من أولوياتهم، كما يعكس حالة التفكك الداخلي في التنظيم الإخواني نفسه.
لماذا السلطة الإخوانية (الثورية) أو الحكومة الإخوانية (البرلمانية) في الأردن؟ ألكي تؤكد وادي عربة والتطبيع مع إسرائيل؟ وتوطد التبعية لأميركا؟ وتوقّع عقوداً جديدة مع «الصندوق» في إطار النهج النيوليبرالي نفسه؟ أم لكي تشطب الدستور الحالي (الذي عُدّل عام 2011 وفق القواعد الليبرالية، وينتظر تعديلات أخرى) لصالح وثيقة دستورية دكتاتورية ومعادية للحريات والمرأة والفئات الشعبية؟ أم لكي تُحِلّ التزوير الإخواني محل التزوير الرسمي للانتخابات، وتستعيض عن بلطجية الأمن ببلطجيّة الإخوان؟ ثم لتقوم، بعد ذلك كله، بما ينكص عنه النظام الحالي إزاء التدخل في سوريا أو في الضفة الغربية؟
في الموازاة، جاء انكشاف التحالف الأسود بين إخوان سوريا وجبهة النصرة الإرهابية ليزيد إخوان الأردن حرجاً على حرج؛ اتضح أن الخطوط مفتوحة بين الإخوان والإرهابيين، مثلما ظهر أن الادّعاءات الإخوانية بشأن تبنّي التعددية والحريات والدولة المدنية ليست سوى دعاية مزّقت زيفها دماء القتل على الهوية المذهبية، وإقامة إرهاب «المطاوعة» في مناطق سيطرة «الثوار» السوريين.
على هذه الخلفية، انكفأ الهجوم السياسي لإخوان الأردن. ومع استعداد معظم القوى السياسية والشعبية لمباشرة الحملات الانتخابية (البرلمانية)، اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل، ستتزايد عزلة الجماعة التي قررت مقاطعة الانتخابات.
ظلّ إخوان الأردن، على الدوام، جزءاً من نظام الملك الراحل حسين بن طلال، في مواجهة اليسار والقوميين، ثم في مواجهة فتح. وشهدت التسعينيات ذروة العلاقة بين الطرفين، حين قدّمت عمّان دعماً متعدد الأشكال لحركة حماس، بين 1993 و1999، لإفشال شهر العسل الإسرائيلي ـــ الفتحاوي.
كان الملك حسين ينطلق من تقدير استراتيجي مفاده أن الأردن يحافظ على كيانه من خلال التدخل الكثيف في الضفة الغربية، واستدامة دوره كشريك أساسي في القضية الفلسطينية. وبرحيل الملك ـــ الزعيم، تخلصت البيروقراطية المدنية والعسكرية الأردنية من قيود الاستراتيجية التدخلية في فلسطين، وأصبح وجود حماس في عمان نافلاً، فتمّ إخراج قياداتها من البلاد.
مذذاك، تحوّل الحضور الحمساوي في الأردن، رئيسياً، إلى حضور داخل الإخوان المسلمين، وتطوّر إلى ما يمكن وصفه بتنظيم خاص داخل التنظيم العام الذي انتقل، بدوره، إلى خط المعارضة المثابرة، لكن المرتكزة على الملفات الفلسطينية، خصوصاً ملف حماس. وهو ما طوّر، في المقابل، اتجاهاً وطنياً أردنياً داخل الجماعة، يرى أن قضيتها الرئيسية هي انجاز إصلاحات سياسية داخلية.
إلا أن ذلك الانقسام السياسي لم يتبلور إلى انشقاق تنظيمي. وحينما أنجز «الربيع العربي» إسقاط النظامين التونسي والمصري، تماسك إخوان الأردن وجمّدوا خلافاتهم، آملين تحقيق إنجاز مشابه، أو أقله يشبه ما حدث في المغرب. كان هناك ما يستحق تأجيل الصراعات الخفية بين الأجندات التي ظلت تعبّر، مع ذلك، عن نفسها بوضوح: أولوية الإصلاح الوطني، وأولوية «الحقوق المنقوصة» لفلسطينيي الأردن، وأولوية التمكين لحماس، وأولوية دعم «الثورة السورية». وقد تشاركت هذه الأولويات وتنازعت في ظل تشابك هش، انتهى، أخيراً، بإعلان شخصيات تعبّر عن الاتجاه الأردني في الجماعة «مبادرة البناء الوطني» التي تركت الحمساويين والأصوليين عراة تماماً من أي غطاء محلي، وعرضة لانقسامات أخرى.
بهدوء | «إخوان» الأردن: العزلة والتفكك
Posted in Uncategorized.