لوحظت، في الأسبوعين الأخيرين، زيادة دراماتيكية في أعداد اللاجئين السوريين القادمين إلى الأردن. بالاستقصاء، تبيّن أنه لم يحدث، في الفترة نفسها، ما يبرر تلك الزيادة من عمليات عسكرية أو أمنية في المناطق التي تصدّر أولئك اللاجئين. في الواقع، اللجوء يتم بقرار اختياري، وليس تحت ضغط الأحداث. وكل ما في الأمر، هو أن قراراً سياسياً أردنياً قد صدر بتسهيل عبور اللاجئين. القرار وصل إلى الشبكات المعنية بتجارة البشر في سوريا، فبدأ التدفق الكثيف اليومي غير المسبوق. وتحت الطاولة، هناك شكوك قوية في أن يكون من بين تدفقات الهجرة الأخيرة، عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات السورية، وخصوصاً مخيم اليرموك، ممن استطاعوا الحصول على وثائق سورية مزورة، يجري غض الطرف، أردنياً، عن صحتها.
التفسير الأول الذي يتبادر إلى الأذهان هو أن القرار الأردني بفتح باب اللجوء على مصراعيه أتى بعد وعود المانحين بالمساعدات؛ سيكون على عمان، إذاً، أن تزيد حصتها من اللاجئين للحصول على المزيد من الأموال. لكنه تفسير سطحي؛ هناك شيء ما في الكواليس. أهو شكل ـــ لا تزال سياقاته غامضة ـــ للتدخل في الأزمة السورية عبر تضخيم حجم اللاجئين؟ أم أن عمّان تستجيب لضغوط من أطراف في المعارضة السورية التي تستخدم ورقة اللجوء سياسياً؟ وعلى وجه الدقة: هل هناك خطة لتوسيع قاعدة رئيس الوزراء المنشقّ، المقرّب من عمان، رياض حجاب؟ أم أن هناك قراراً يشي بتحسين الدور الأردني في الملف الفلسطيني من خلال تقديم خدمة للسلطة وحماس، باستضافة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا؟
كلها أسئلة مطروحة، وهواجس لا يمكن إقصاؤها، تفجّرها التسهيلات الأردنية المستجدة التي تسمح بتدفقات اللاجئين المتزايدة إلى البلاد. إنه قرار سياسي يلخصه مقال للأمير حسن بن طلال، نُشر هذا الأسبوع، وعنوانه «أهلاً بالأشقاء في أرض الرباط»! ومن المعروف أن الترحيب بالأشقاء اللاجئين هو استراتيجية اتبعتها عمان منذ 1948، وحوّلت الأردن، عملياً، إلى بلد مهاجرين من فلسطين ولبنان والكويت والعراق، والآن من سوريا، سوريين وفلسطينيين.
خدمت هذه الاستراتيجية، بالأساس، أهدافاً سياسية داخلية تتعلق بالحيلولة دون تكوّن مجتمع موحد وحركة وطنية راسخة في البلاد، وأهدافاً جيوسياسية تتعلق بتحسين شروط الدور الإقليمي للأردن، ثم تأتي، في السياق، الأهداف الاقتصادية، من تلقي المساعدات والمنح، إلى توسيع السوق الداخلي لصالح الوكلاء التجاريين (الكمبرادور).
استراتيجية استقبال اللاجئين، تُغَلَّف، عادة، بدواعٍ إنسانية وقومية، لكن ما يثير الحنق فعلاً هو تغليفها بإيحاءات المواجهة مع إسرائيل. فاستخدام عبارة «أرض الرباط»، يحيل إلى دلالة مضلّلة؛ فكأن تجميع المهاجرين في الأردن يستهدف تحشيد القوى لتحرير فلسطين! إن هذا الخلط مؤسف للغاية؛ فاستراتيجية استقبال اللاجئين الأردنية، لها، دائماً، سياقات سياسية مناقضة لأهداف التحرير خارجياً، والتحرر الوطني والاجتماعي داخلياً.
لا مراء في أن الواجب الإنساني والقومي يرتّب على الأردن استقبال لاجئين ونازحين، وإنما في إطار قيود الضرورة القصوى؛ فمع وجود أكثر من مليون مهاجر فلسطيني من الضفة الغربية (عدا عن اللاجئين والنازحين المجنّسين) وحوالى ثلاثمئة ألف غزّي، وحوالى نصف مليون عراقي وثلاثة أرباع مليون مصري، وربما مليون سوري وفلسطيني ـــ سوري، يتحول البلد، فعلاً، إلى «منطقة كوزموبولوتية» لا وطنية، يستحيل فيها الاستقرار المجتمعي اللازم للتقدم الاجتماعي والتنموي والديموقراطي، ويعاني فيها السكان الأصليون شقاء الإفقار والتهميش. وهي صيغة تكاد تنفجر بمَن فيها الآن، فكيف باستقدام جالية سورية كبيرة جديدة وتوطينها؟
تعكس الرغبة في اللجوء إلى الأقطار المجاورة، وخصوصاً الأردن، ميولاً للهجرة لدى الريفيين السوريين الذين أفقرتهم سياسات الليبرالية الجديدة المتبعة في سوريا خلال العقد الأخير، هرباً من التهميش المضني، وبحثاً عن فرص معيشية جديدة. وقد وجد العديد من هؤلاء أنفسهم، بسبب الحرب الداخلية المشتعلة في بلدهم، في وضع اقتصادي أسوأ. وهذا هو السر في تدفق اللاجئين السوريين إلى الخارج، من دون أن تكون هناك دواع أمنية موازية. هؤلاء مهاجرون اقتصاديون بالدرجة الأولى. وهم ينوون، بالتالي، الاستقرار في بلد اللجوء. ولذلك، فإن الآلاف منهم يقدمون الرشى لشبكات متخصصة في تهريبهم من المخيمات إلى الداخل الأردني. وهذا كل ما هو مطلوب للتوطين؛ فوفقاً للاتفاقات الأردنية ــــ السورية التقليدية، لا يحتاج مواطنو كلا البلدين إلى إقامات أو تصاريح عمل في البلد الآخر. وإلى جانب الباحثين عن فرص العمل، هناك الباحثون عن فرص استثمارية من البورجوازية السورية التي بدأت، بالفعل، توسيع نشاطها في الأردن.
بهدوء | التسهيلات الأردنيّة للجوء السوري: دوافع غامضة
Posted in Uncategorized.