ناهض حتّر
إلزام الحزب بخمسماية مؤسس هو علاج – بجرعة مخففة – لتشظي الاحزاب السياسية الاردنية، وتكلسها البيرقراطي، وانعدام فعاليتها، وكثرتها المفرطة الكاريكاتورية. ويا ليت مجلس الأعيان يرفع عدد المؤسسين الى ألف – مع شرط الاقامة الدائمة في خمس محافظات على الأقل – والتدقيق المتشدد في طبيعة المؤسسين بحيث يتم ضمان عدم التحايل على القانون، بجمع الأقرباء والأصدقاء، فلا بد ان يكون لأي مواطن يوقع على طلب تأسيس حزب ما، تجربة – ولو صغيرة – في السياسة – بمعناها العام – أي في أحد المجالات البلدية أو النقابية أو الثقافية أو الاجتماعية الخ وبدون وجود هذا الشرط، فلا معنى لزيادة عديد المؤسسين.
سوف يفيد هذا «العلاج» – بعد استكماله شرط العدد بشرط النوعية – في حدوث انقلاب في الحركات السياسية الاردنية، في الاتجاهات التالية:
“1” سوف تضطر الأحزاب الحديثة النشأة – ومعظمها وسطي – الى الاندماج في عدد قليل جداً من الأحزاب الجادّة النشطة، فالحصول على خمسماية أو الف مؤسس نوعي ليس بالأمر السهل، والأصعب ادارة هذا العدد من المؤسسين في هيئات منظمة. وبالنتيجة، فان احزاباً عديدة، قائمة الآن، سوف تتلاشى، وسوف يصبح مشروع تأسيس حزب شأناً جدياً لا يبادر الى تجشم اعبائه كل من هب ودب.
“2” سوف تضطر الاحزاب العقائدية – ومعظمها يعود الى الخمسينيات – الى الدخول في عملية اعادة إحياء شاملة تشتمل على انهيار الانشقاقات القائمة، وإعادة الاتصال بالجمهور التقليدي للحزب المعني، وتحشيده، وهو ما يتطلب التوصل الى صيغ ديمقراطية في ادارة الحزب وإقصاء البيرقراطيات المتكلسة، والخطاب العصبوي والتخويني. واشير، هنا، الى حالة محددة – اعرفها جيداً – هي حالة الشيوعيين المشتتين الان في اربعة احزاب صغيرة غير فاعلة وجمهور حزبي كبير خارج التنظيمات. وستمثل الاشتراطات الجديدة لقانون الاحزاب، فرصة لاعادة الحيوية للحركة الشيوعية وتجديد الاتصالات والحوارات بين اطرافها ومجموعاتها ونشطائها، وحشد كل طاقاتها من أجل الحصول على قاعدة مؤسسين وعضوية كافية.
“3” الى ذلك، فاننا نتوقع، في حالة إقرار تلك الاشتراطات، انطلاق حيوية جديدة في تجنيد النشطاء الاجتماعيين واجتذابهم الى العمل الحزبي وهو ما سيؤدي، بلا شك، الى انطلاقة في تطوير الأدبيات السياسية، ومستوى الحوار، وتأكيد الوسائل الديمقراطية في ادارة التنظيمات الحزبية.
من المتوقع ان تقاوم البيرقراطيات الحزبية المتحكمة بالاحزاب القائمة، أي اصلاح جدي في قانون الأحزاب، لكي تحافظ على وجودها وامتيازاتها وسيطرتها على يافطات مفرغة من الفكر والناس.
غير أن أعباء تأسيس حزب وادارته، سوف تغدو، والحالة هذه، غير ممكنة من دون الآتي:
“1” مساعدات مالية حكومية تمكن الحزب من الانفاق على شبكة تنظيمية كبيرة.
“2” حصة للاحزاب في «البرلمان» و«الاعيان» و «الحكومة»، تبرر هذا العناء.