ناهض حتّر
صباح يوم قاهري جميل من كانون الاول ،2003 كنت محبوسا في قاعة نقابة الصحفيين المصريين بالقاهرة، اتابع، ضجرا، الخطابات الخشبية المتكررة، لحشد من الزعامات اعرفهم من خلال الفضائيات، حيث انتبهت فجأة، على حراك في القاعة، وهمسات، وفتيان وفتيات يهتفون، وقد اعتلى المنبر شاب اربعيني بالجينز، مفوه وخفيف الظل، بدأ خطابه بمطالبة الرئيس المصري بالرحيل.
كان اليساري التروتسكي كمال خليل، يهاجم – بالقدر نفسه – النظام المصري والاستعمار الامريكي، في حين كان الخطباء الاخرون من القوميين والاسلاميين، يكتفون بصب جام غضبهم على الامريكيين فقط .. و«الصمت» العربي وبينما يشاركون هم ايضا في هذا الصمت على التحالف الوثيق القائم بين الرسميين العرب وواشنطن.
فيما بعد، ظهرت حركة «كفاية» المطالبة بالتغيير الديمقراطي في مصر. وكان كمال خليل وسواه من المثقفين اليساريين والقوميين والاسلاميين المستقلين، في اعداد مؤسسيها وظللت اربط بين جرأتها ولهجتها السياسية الجديدة وبين اولئك الفتية الصاخبين في ندوة مجابهة الاحتلال الامريكي والصهيوني في نقابة الصحفيين المصريين. حركة «كفاية» مبدعة ابتداء من اسمها الذي يلخص برنامجها بكلمة واحدة، ليس بينها العبارات المستهلكة «وطني» و«ديمقراطي» و«قومي» و«تقدمي» و«اسلامي» و … سواها.
لكنها، ايضا، مبدعة في جرأتها ومظاهراتها وقدرتها على استخدام وسائل الاعلام واقتراح افكار جديدة للعمل السياسي ومنها استخدام التقليد الشعبي لكنس (تنظيف) مقام السيدة زينب، للخلاص من شخص غير مرغوب.
امس الاول، زارت كوندوليزا رايس، القاهرة، والتقت «الاصلاحيين» المتأمركين، ولا نعرف اذا كانت قد التقت، ايضا، الاخوان المسلمين، لكننا نعرف، جيدا، ان هؤلاء لم ينزلوا الى الشوارع ضد زيارة رايس الى القاهرة، وتدخلها في الشؤون المصرية، وهو ما يؤكد، مرة اخرى، ان الفريقين توصلا الى «اتفاق» في مصر وفي الاردن وفلسطين والمنطقة.
الذين تظاهروا ضد رسولة الاستعمار الامريكي، هم اعضاء حركة «كفاية»، هاتفين: «ادّيلوا فيزا .. يا كوندوليزا»، مؤكدين رفضهم، في الوقت نفسه، للاستبداد وللمشروع الامريكي معا!.