يا حيف

من المحزن، بالنسبة لي على الأقل، أن أقلاما كانت معروفة بالنزاهة والوطنية، تحوّلت إلى التحريض على تدخل أردني في سورية، أو التسويق لهذه الفكرة المغامرة البالغة الخطورة على أمن الأردن الوطني وكيانه ومستقبله. أخفّ الأضرار الناتجة هو تورّطنا القائم والقادم في استقبال مئات آلاف اللاجئين من سورية؛ سوريين يبحثون عن فرص اقتصادية وفلسطينيين يبحثون عن الجنسية، بينما تركيبة البلد الديموغرافية لا تسمح مطلقا بهذا العبث. لكن المخاطر أبعد، ومنها تسلل الإرهاب إلى ديارنا، والأسوأ انجرارنا إلى التموضع السياسي والحربي والأمني في الحلف الأمريكي الغربي الخليجي التركي الإسرائيلي المتراجع ضد المحور الناشئ الصاعد، اقتصاديا وعسكريا، من الصين في قلب آسيا إلى روسيا وإيران والعراق وسورية ولبنان. ومَن يظن أن هذا المحور سوف يسمح بسقوط سورية في أيدي أعدائه ، فهو إما ساذج وإما خبيث له مصلحة، مالية أو سياسية، في تعريض بلدنا لمخاطر الانكشاف أمام الوطن البديل.فرحون برياض حجاب؟ وأصبحتم تعددون مناقبه وتقترحونه رئيسا بعد بشار الأسد؟ إذا كان كما تحسبون، فهذا يعني أن قرار الأسد بترئيسه للوزراء، كان قرارا صائبا وإصلاحيا. بالنسبة لي كان هذا القرار خاطئا وصادرا عن براجماتية لم تعد صالحة للاستهلاك في سورية اليوم. لقد جيء به لأنه بعثي سنّي وابن عشيرة. وهذه اعتبارات لا تفيد سورية المنخرطة الآن في معركة الوجود ضد الاستعمار والرجعية العثمانية والعربية. لقد أملنا، ولا نزال، بأن يكون على رأس الحكومة السورية، يساري صريح يقاتل على الجبهة الداخلية ضد الفئات الكمبرادورية، مثلما يقاتل الجيش السوري ضد الإرهاب الدولي.
من غير المفهوم، عندي، ما أصبح متداولا على نطاق واسع من أن الاستخبارات السورية كانت تعرف موقع المنزل الذي كان حجاب يختبئ داخله في نعيمة درعا، وكان لديها 4 ساعات كاملة لدهمه قبل أن يغادره، مشيا، إلى الأردن. ولا توجد مؤشرات على خرق أمني، ولكن مؤشرات على قرار يتلافى عقابيل اعتقال أو مقتل الرجل المهم داخل سورية، الفالصو خارجها. غير أنني كنتُ أفضِّل اعتقال حجاب ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى. وهو ما يتطلب تخلي دمشق عن النظرة البراجماتية الفائتة. فالمعركة معركة كسر عظم.
على كل حال، لعل الجهل بالكيمياء السورية هو مصدر السذاجة التحليلية التي ترى في حجاب بديلا. قيمة حجاب اليوم هي صفر مربع. وفي فرضية البديل، لا قيمة إلا لبديل، من داخل النظام، قومي وعلماني والأهم عسكري، ويتمتع بالقوة الداخلية التي تعفيه من الفرار كمهرّب، سيرا على الأقدام، عبر الحدود. ومع فرضية البديل الجدّي الذي يتمتع بالسمات التي ذكرت، ستترحمون على الرئيس البراجماتي بشار الأسد.
لا يمكن لمراقب نزيه أن يتذرع بعد اليوم ‘ بالثورة’ أو ‘بالحرية’ لمناصرة العدوان الإرهابي الأجنبي في سورية. الثورة لم يعد لها وجود؛ وإنما ما يسمى ‘ الجيش السوري الحر’. وهي تسمية مضللة لميليشيا تكونت، بشكل رئيسي، من مقاتلي جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الإخواني فاروق طيفور، وانضم إليها هاربون من الجيش ومسلحو مافيات التهريب. وإلى جانب هؤلاء، هناك مجموعات سلفية جهادية، أبرزها تنظيم القاعدة الذي استقدم عناصر مقاتلة من بلدان عربية وأجنبية، بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة، للجهاد في سورية. وكل هذه العملية لا تعدو كونها اصطناع ‘معارضة مسلحة’ رعاها رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، شخصيا، وموّلتها الرياض والدوحة، وأشرفت عليها الاستخبارات الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
العامل المحفّز الرئيسي لمقاتلي هذه المجموعات، إضافة إلى البترودولارات، هو التعصّب المذهبي التكفيري الذي ترجم ويترجم نفسه بمذابح واغتيالات على الهوية الطائفية والمذهبية. أردوغان نفسه كشف النقاب عن سريرته كتكفيري حين صرّح الأسبوع الماضي بأن الرئيس بشار الأسد ‘ ليس مسلما’. وهكذا، سقط القناع المتمدن والحضاري عن الإسلام السياسي التركي الذي يكفّر 20 مليونا من مواطني تركيا، ولا يعتبرهم مسلمين لأنهم ‘ علويون’، محرضا، بالتالي، على الحرب الأهلية في تركيا نفسها. هل يلزمنا، بعد ذلك، الإشارة إلى ما فجّره مقتل رجل القاعدة في تركيا، عثمان قارهان، في حي صلاح الدين بحلب، من فضيحة العلاقة التي ربطته مع وأيمن الظواهري، تقليديا، بأردوغان ؟

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.