الى موسى المعايطة
الرأسمال الرمزي هو اثمن ما يملكه المناضل او المثقف. اعني ذلك الرصيد من الصدقية والاحترام الذاتي والانفة والمشاعر المتقدة ضد الظلم والخطأ والفساد, والاحساس التلقائي بما هو عادل, وحب الوطن والناس والحقيقة, وما ينجم عن ذلك من الحضور الخاص لدى اصحاب الضمائر.الرأسمال الرمزي لا نصنعه في صفقة, ولا يمكن بناؤه في ضربة معلّم, ولا ينشأ بقرار حكومي, ولا يفرضه منصب, ولا يمكن تحصيله في برنامج زمني. انه نسيج حي من حياة كاملة من المواقف والتضحيات والاصطفاف في الخندق الصحيح والولاء للشعب والالام والثبات والكبوات والنهوض.
لذلك, كان الرأسمال الرمزي اثمن ما يملكه مناضل او مثقف, بل كان بلا ثمن يمكن تقديره, ومن البؤس ان يعمد صاحبه الى المساومة عليه, فهو خاسر حتما.
هذا لا يعني ان المناضل ممنوع من المناورة في مسارات الحياة السياسية. كلا فالمناضل والمثقف ليسا من شيوخ الصوفية. لكن, ينبغي ان يظل الرأسمال الرمزي عندهما خطا احمر, لا تتجاوزه المناورات ولا الضرورات السياسية, ولا تمسه, بالطبع شهوات المكاسب والمناصب. فماذا ينفع الانسان لو ربح العالم, وخسر نفسه؟
المناضل والمثقف, في زمن الانحسار الجماهيري, لديهما الدور الاكبر: ان يلعبا دور الضمير, ويعبرا عن البرامج المطابقة للاحتياجات الشعبية, ويقدما للاخرين: الانموذج. هذا الدور له من الفعالية اكثر مما للمقعد البرلماني او المنصب الوزاري من فعالية: البريق الخاطف يذهب سريعا وزبدا, لكن اتقاد جمرة الروح تشع على مر السنين.
ليست سلبية. فاذا كان امام المناضل والمثقف فرصة حقيقية مشرفة وجدية للمشاركة, فليس امامه سوى ان يشارك لكن, حينما يكون ثمن المشاركة هو التخلي عن رأس المال الرمزي, والاندراج في اللعبة, فهي خسارة كبرى لا تعوض ابدا. خسارة ذاتية وخسارة اجتماعية. فالمجتمع ينتج مئات المهنيين والاداريين ومشاريع النواب والوزراء والمدراء, سنة اثر سنة, ولكنه لا ينتج المثقفين العضويين والمناضلين الا في جيل كامل, بشروط صعبة ومعقدة. ولذلك, عندما يخسر مناضل او مثقف نفسه, فانني اعلن الحداد.
احيانا, بالطبع, قد تغرينا المواضعات الاجتماعية, او تلزّنا العشائرية. علينا, هنا ايضا, ان نقاوم بالضراوة نفسها: نحن نريد تغيير المجتمع وليس الخضوع لمواضعاته.. ونحن ابناء عشائر.. ومع العشائر.. ونناضل من اجل تحسين حياتها, لكننا ضد العشائرية, ولا نقبل الخضوع لآلياتها وتعصباتها والتزاماتها.
العشائر شيء.. والعشائرية شيء آخر.
العشائر هي تنظيمات اجتماعية اصيلة لها وظيفة تاريخية لم تنته, وهي ذات بنية ديمقراطية وثقافة مساواتية. والعشائر في الاردن هي اساس التكوين الوطني كله, واساس الوطنية الاردنية, وعليها الاتكال في الذود عن البلد.
لكن العشائرية هي نمط سياسي متخلف, مضمونها التعصب على رابطة الدم والمصالح الفئوية والفردية, وليس التحزب لمنظومة القيم العربية الاردنية التي نريد التمسك بها, واعادة انتاجها للمستقبل الديمقراطي ولا يحتاج الامر الى كثير من العناء, لكي نرى ان التعصب العشائري قد اخترقته قيم نفعية وتأثيرات النفوذ والمال, مما يتناقض مع قيم العشائر وانفتها العربية.
عدد القابضين على جمر الولاء للاردن ومشروعه الوطني التقدمي وقيمه المساواتية, قليل جدا. ولكنهم كثير في عين التاريخ, وقوة التغيير المدخرة للآتي. انهم ملح الارض. فإذا فسد الملح…..
لا منصب ولا مقعد ولا مال ولا جاه ولا وظيفة برتبة.. اغلى من حب الاردن والولاء لارضه وناسه وحقه في التقدم والمساواة والحرية. وعندما يملأ الوطن قلبا صافيا من الرغبة والخوف, لا يعلوه قلب, ولا تتقدمه عين, ولا تهزه المصاعب.
إن يملأ الحق قلبك,
تندلع النار إن تتنفس
من يملك نار الكلمات , يملك الآتي.