ناهض حتّر
فجأة! أصبح محترفو العداء للجماهير الأردنية الكادحة، ومنظّرو “السلام”، والانتهازيون، والصامتون عن القضية الأردنية الملتهبة كالجمر، “…مناضلين…”! يبرون أقلامهم وألسنتهم ويافطات أحزابهم ووجوههم الكالحة، في لحم الشعب الفلسطيني… وبدمه المقدّس يحاولون أن يغسلوا عارهم اللزج… فهذا المهرجان مجاني، وجاء في وقته تماماً! فالصراع يحدث هناك، والكذب مسموح به هنا، وفي أوراق اللعب، تختلط “الوطنية…”! بالكلام الكبير! بمحاولة البحث عن دور! بالهروب المدروس أو الانتهازي من الصراع الذي يحدث هنا والآن!
ألا لا يزاودنْ أحد علينا! فنحن الذين قلنا، منذ البداية، أن هذا “السلام” مع الأعداء ليس سوى استسلام عبودي ذي نتائج وخيمة على قضية فلسطين وسيادة الأردن ومستقبل الأمة العربية، نقول الآن أنه من غير المسموح به، استخدام دماء البطولة الفلسطينية، من جديد، “قميص عثمان” لتجاهل الأزمة الأردنية المتفاقمة، والالتفاف على قضايا الشعب الأردني، والصمت المتواطئ على النفق الخطير الذي تحفره السياسات الحكومية تحت أساسات الكيان الأردني!
كنّا، وما زلنا، نثق بالطاقات الكفاحية المتجددة للشعب الفلسطيني العظيم، ونعرف أنه كريم بالدم والمعاناة والتضحيات، دفاعاً عن وجوده وحريته وسيادته على أرضه وقدسه ومقدساته… ولكن، ما دورنا نحن؟ وماذا عن وجودنا وحريتنا وسيادتنا ولقمة أطفالنا ومستقبلنا؟ وهل نصمت على العودة إلى اللعبة القديمة في استهلاك الداخل، لكي يكون لنا دور خارجي! أو استخدام هذا الدور… للقفز عن معطيات الداخل المطحون بالأزمة؟ لقد مللنا هذه اللعبة التي تصنع من جراح الآخرين سحابات دخان متتالية للتغطية على الفساد والقمع والتخريب الاقتصادي والاجتماعي والإثراء غير المشروع والاقتراض والاستجداء لمصلحة الأقلية على حساب الوطن وسيادته وأجياله ومستقبله، وغير ذلك من السياسات المعروفة التي تكاد أن تنتهي بنا إلى “الحالة الصومالية”!
إن تجدد الصراع الحتمي في فلسطين، وسياسات نتنياهو العدوانية الصريحة ضد سورية ولبنان والأمة العربية، لهي “فرصة ذهبية” أردنياً، من أجل تبريد “السلام الدافئ” مع تل أبيب، وتجميد التطبيع والتعاون الثنائي معها. وهو ما يمثل شرطاً ضرورياً وأولياً للبدء في حوار داخلي جدّي يفتح الطريق أمام إدارة ديمقراطية-اجتماعية للأزمة الأردنية العميقة التي تحتاج إلى معالجة حقيقية وجذرية وبعيدة المدى للخروج من مسار الانتحار الوطني.
فلنعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود 4 حزيران، وبعاصمتها القدس العربية، وبأن القدس والمقدسات شأن سيادي فلسطيني! ولنقم بما يطلبه الفلسطينيون منا، في إطار هذا الاعتراف، لا أقل ولا أكثر! فإن النفق المفتوح تحتنا، النفق الخاص بنا، يتسع، والوقت يضيق، والبناء على شفى الانهيار!