ناهض حتّر
سوف اقرأ، بانتباه، «الاجندة الوطنية» بصفحاتها الألف، واحاورها من موقعي كمواطن وكاتب. لكنني سأقرأها واحاورها باعتبارها وجهة نظر، وجهدا فكريا هو محصلة حوار بين مجموعة من الشخصيات. واظن ان هذا هو السياق الدستوري والواقعي للتعامل مع «الاجندة».
«الاجندات» الخمسية او العشرية هي، بالاساس، فكرة شمولية، واساسها وجود حزبي (او جبهة وطنية) في «قيادة الدولة والمجتمع» ويكون لهذه القيادة ان تحدد الخطوط العامة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي في البلاد، خلال مرحلة معينة لتحقيق اهداف معينة.
ومن الطريف ان الليبرالية الجديدة، قد استعادت الفكرة من اجل التأسيس لشمولية مضادة تقوم على لبرلة الاقتصاد والمجتمع الاردنيين بالتخطيط المسبق وبوسائل ادارية.
لكن النظام السياسي الاردني لا يعترف، دستوريا، بالاجندات. فهو مؤسس (من الناحية النظرية) على ان الامة هي مصدر السلطات، وهي تفوضها -كل اربع سنوات- الى مجلس نيابي، تقرر تركيبته السياسية، تشكيلة وسياسات الحكومة التي يمكن ان يكلفها الملك وتحظى بالثقة النيابية. ويكون ذلك بناء على «بيان وزاري» يحدد الاجندة الحكومية لفترة لا يمكن ان تزيد على اربع سنوات؛ وهي تجسد تلك «الاجندة» في موازنة سنوية تحتاج، ايضا، الى موافقة الاغلبية النيابية.
على ان ثقة المجلس النيابي بالحكومة لا يلغي حق المعارضة النيابية والحزبية في رفضه الحكومة وبيانها الوزاري، والعمل المشروع لاسقاطها وهكذا نلاحظ ان الاطار الدستوري الاردني يرفض، من حيث المبدأ، الشمولية والاجندات الملزمة.
فاذا كانت الاجندة، سوف تلزم الحكومات والمجالس النيابية والاحزاب والفعاليات والاعلام، لمدة عشرة اعوام، لا تعود هناك، اذن، ضرورة للانتخابات النيابية او الاحزاب او الحياة السياسية، بينما تتحول الصحافة الى ابواق للتبشير والتبرير والدعاية، ويصبح المعارضون «منشقين» عن الاجماع، وربما ينبغي ايداعهم السجن!
بالمحصلة، «الاجندة» هي، في النهاية، مجرد وجهة نظر، لا تستطيع اية هيئة سياسية دستورية ان تتبناها بصفة ملزمة. وبخلاف ذلك، فنحن امام مصادرة صريحة للحياة السياسية، لمدة عشرة اعوام.
وانا احسب ان هذه «المصادرة»، غير واقعية، ولا يمكنها ان تصمد في مواجهة حقائق الحياة التي تنهض على الصراع!
والصراع يمكن تنظيمه، سلميا، بالوسائل الديمقراطية، ولا يمكن الغاؤه بالاجندات.