العرب اليوم
ناهض حتّر
أمس الأول، هاجم مقاومون فلسطينيون بالرشاشات، دورية لجنود الاحتلال، شرقيّ رام الله، فأردوا ثلاثة من أفراد هذه الدورية وجرحوا ثلاثة آخرين.
و«الدورية» كانت راجلة، وغير مستعدّة، قتالياً، مما أوقع في صفوفها، هذه الخسائر الفادحة بالمعيار العسكري. وهذا يعني أن هذا النوع القتالي من عمليات المقاومة بالإضافة إلى تفجير الآليات العسكرية بالألغام أو قصفها بالصواريخ لم يكن في حساب جيش الاحتلال الإسرائيلي. ففي العادة يُنفذ المقاومون الفلسطينيون عمليات قصف للمستوطنات أو تفجيرات انتحارية في المدن الإسرائيلية، ضد المدنيين وفي وضع مدني غير قتالي. إلّا أن العمليات القتالية الجريئة والناجحة ضد جيش الاحتلال الأميركي في العراق، بدأت تؤثر، في الأسابيع الأخيرة، على تكتيكات المقاومين الفلسطينيين. فقد شهدنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة مؤخراً، عدداً من العمليات القتالية ضد جنود الاحتلال، بالإضافة إلى التفجير الجريء الذي استهدف وفداً أميركياً في غزة.
وقد صدر عن عملية شرقيّ رام الله، الرائعة حقاً، بيان رديء جداً، يقول إنها تأتي «رداً على المذابح الصهيونية للشعب الفلسطيني»، ووقعته «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة فتح. فماذا لو توقفت هذه المذابح، وبقي الاحتلال؟!
من المفروض أن تكون جميع العمليات القتالية الفلسطينية ضد جيش الاحتلال ورداً على الاحتلال نفسه، وليس لها سوى مطلب واحد هو زوال الاحتلال من دون قيد أو شرط! ثم انه ليس من الضروري أن يصدر بيان موقع عن كل عملية مقاومة وتقديم المعلومات الأمنية للمحتلين على طبق من فضة!
هذه الدروس الأولى، لم يتعلمها المقاومون الفلسطينيون، بعد، من المقاومة العراقية التي تنجز، يومياً، بين 20 إلى 30 عملية قتالية، معظمها ناجح، ومعظمها لا يؤدي إلى استشهاد أو جرح أو اعتقال منفذيها… كما انه لا تصدر بشأنها بيانات منفصلة، بل إفصاح سياسي، بين الحين والآخر، عن موقف جوهري ثابت، يتمثل في المطالبة بزوال الاحتلال فوراً، ومن غير شروط، أو مفاوضات سوى المفاوضات اللازمة لتنفيذ الانسحاب غير المشروط.
وربما تتبلور الآن تحت التأثير العراقي حركة مقاومة فلسطينية سرية ومصممة ومتمحورة حول الهدف الاستراتيجي «إزالة الاحتلال» وذلك باعتماد أساليب قتالية تصون حياة المقاومين «وتجتذب المزيد منهم» وتنأى بنفسها عن استهداف المدنيين، مركزة كل جهودها–بوضوح سياسي وأخلاقي-على قوات الاحتلال.
إن قوة المقاومة العراقية تنبع من أن كادراتها ومنظماتها العديدة، سريّة، وقيادتها مختفية، وليس عندها حسابات سياسية تكتيكية، أو شخصية، وهو ما يمنحها القدرة على أن تضرب قطعات المحتلين والأهداف السياسية المرتبطة بهم، بقوة وانتظام ومثابرة وبأقصى طاقاتها، وفق الأجندة الاستراتيجية.
ولقد بدأ المقاومون الفلسطينيون–وهذا خبر سيء جداً للحكومة الإسرائيلية-يتعلمون التكتيكات القتالية الشجاعة والمؤثرة للمقاومة العراقية، مثل تلغيم طرق القوافل العسكرية، ومهاجمة دوريات الاحتلال، في اشتباكات قتالية.
وربما لا تكون لدى المقاومين الفلسطينيين، القدرات العراقية نفسها من حيث مستويات التدريب والأسلحة وإمكانيات التنقل والاختفاء في مساحات واسعة… غير أن المهم، هنا، هو الجرأة على جيش الاحتلال ودباباته ودورياته وجنوده.
وقد بدأنا نلمس أن المقاومين الفلسطينيين بدأوا، بالفعل، يتجرأون على الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة في اشتباكات قتالية. فمن هو الجيش الإسرائيلي… إذا كان بالإمكان–كما برهن العراقيون-إلحاق العار بأقوى جيش في العالم، وتمريغ هيبته في التراب؟!