ناهض حتّر
محور “الاعتدال العربي” لم يصمد امام التطورات. وظهر انه لحظة في المسار، وليس مساراً. وكان ذلك، بالنسبة لي، بَدَهياً. فالعرب جميعهم معتدلون. ولماذا يحتاج «الاعتدال» الى محور، طالما يمكن تحقيقه بالاجماع؟
هذا السؤال لم يغب عن السياسة السعودية اطلاقاً. وهي قدمت، عشية قمة الرياض، اجابات واضحة عليه في فلسطين – «اتفاق مكة» – وفي لبنان – الوساطة بين الحكومة والمعارضة – وفي الخليج – فتح خط التفاهم مع ايران. – ومن النافل القول ان مصر والامارات سوف تلحقان بالركب. فالقيادة، الآن، سعودية. حقاً – اذا استثنينا «القاعدة» – هل يوجد متطرفون في العالم العربي والشرق الاوسط – بما في ذلك ايران – ؟
وسوف أبدأ بايران التي لا تطمح بأكثر من الاعتراف الصريح بنظامها السياسي، ووقف الخطط الهادفة الى اسقاطه أو اضعافه أو منعه من محاولة تحسين شروط الاقتصاد الايراني.
ايران تحتاج الى الطاقة النووية – للأغراض السلمية – بإلحاح، طالما ان اقتصادها الهش يعتمد على عائدات نفطية هي قيد النضوب تريد طهران ان تبيع كل لتر من نفطها حتى النهاية. وهذا هو دافعها الرئيسي لبناء المفاعلات النوويّة. هل تريد سلاحاً نووياً؟ ربما، اذا شعرت بالحصار يخنقها وبالخطر الامريكي الساحق الذي حوّل الجار العراقي الى ركام. صحيح انها تمددت على هذا الركام – بروح انتقامية – غير انها في الاخير – وبغض النظر عن خطب احمدي نجاد الحماسية – هي في موقف دفاعي .. ولها مطالب يمكن تسويتها.
سورية؟ وهل هناك أكثر اعتدالاً من بلد يسعى الى مجرد استعادة اراضيه المحتلة منذ 40 عاماً بالوسائل السلمية ..والانتظار؟
النظام السوري يدرأ عن نفسه – بأكثر ما يمكن من الاعتدال – المصير الاسود للنظام البعثي الشقيق. بل انه يدرأ – موضوعياً – عن سورية كارثة كالتي في العراق. فهل يريد أحد كارثة كتلك في الديار الشامّية، سوى عصابيين كسمير جعجع ووليد جنبلاط اللذين يصرّان على تشكيل «محكمة دولية» بشروط تجعلها مدخلاً للعدوان على سورية ولبنان؟
حزب الله؟ انه يدافع عن وجوده المجتمعي ضد اسرائيل من جهة، وضد الالغاء الداخلي من جهة اخرى. انظروا: لقد اتضح، الآن، ان العدوان الاسرائىلي على حزب الله ولبنان في تموز الماضي، كان معداً قبل ذلك بأربعة اشهر، ولم يكن بسبب اختطاف جنديين اسرائىليين. ثم ماذا يريد حزب الله، داخلياً، سوى المشاركة في القرار؟ انه، من فرط الاعتدال، يحشر قواه الخمة وراء مطلب صغير – الثلث الضامن في حكومة «معتدلة» – على الطريقة العربية – وفي اطار النظام اللبناني لا خارجه! واكثر من ذلك فـ«الثلث الضامن» المطلوب هو للمعارضة اللبنانية كلها – بما فيها «التيار الوطني الحر» الذي يمثل القسم الاكبر من المسيحيين؟!.
«حماس»؟ وهل تريد اكثر من المشاركة في النظام الفلسطيني القائم – فعليا – تحت مظلة أوسلو؟ وهل هناك اكثر التزاماً منها «بالهدنة» .. وهل هناك، في العالم كله، من يتحمل المظلومية كالفلسطينيين – بأقصى قدر من الاعتدال؟
المقاومة العراقية؟ وهل تريد أكثر من انسحاب الغزاة الذين احتلوا ودمروا دولة عربية كبرى مستقلة، وقتلوا أو تسببوا بمقتل أكثر من 650 الفاً من العراقيين؟
النزعة الشيعية العراقية؟ وهل تريد – واقعياً – اكثر من التوصل الى صيغة مشاركة عادلة في الدولة العراقية؟
* * *
هناك متطرفون في الشرق الاوسط فعلاً. هم الاسرائىليون والمشروع الامريكي وأنصاره…