ناهض حتّر
مرة اخرى، تصطدم السياسة الخارجية الاردنية «بالجدار» فإيهود اولمرت، الذي طمأن عمان الى انه سيعود الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين – رجع، خلال اقل من اسبوعين، عن تصريحاته الودية في العاصمة الاردنية، واكد في باريس انه لا تنازل عن حدود اسرائيل التي يرسمها «الجدار» بما في ذلك القدس وغور الاردن.
اولمرت، الذي تسلل الى رئاسة الوزراء في اسرائيل على نهج معلمه ارئيل شارون – سياسي من الدرجة الثالثة، لذلك، فهو يعتمد تكتيكات المراوغة على نحو مكشوف، فمقابل ظهوره كزعيم اسرائيلي كبير تستقبله القاهرة وعمان، بالترحاب، كان مستعدا للعب على الكلمات، لكنه في باريس، حيث التصريحات ملزمة، كان واضحا في تأكيده على ان خطة «الفصل من طرف واحد» سوف تمضي في طريقها، من دون شريك فلسطيني او بشريك من الفلسطينيين المستعدين للموافقة عليها من دون قيد او شرط. فهل يعود من معنى اذا، للقائه عباس في عمان الاسبوع المقبل؟.
المفاوضات، عند اولمرت، هي، مجرد وسيلة اخرى لتنفيذ الخطة نفسها. وهكذا في كل الاحوال، سوف يواجه الاردن، النتائج الكارثية للتوسعية الاسرائيلية خلال سنتين على الاكثر. كان لدى عمان بالطبع، تصّور لمعالجة هذا الخطر الداهم. يقوم على الاعتقاد بان الاشارات التي اطلقتها الولايات المتحدة حول نيتها شن الحرب على ايران، تقطع بوقوعها حتما. وهو ما سيهمش الدور الاقليمي الاسرائيلي لصالح الدور الاردني، ويعطي لعمان، بالتالي، القدرة على افشال خطة شارون – اولمرت.
حسنا، لقد تبين ان هذا الاعتقاد ليس واقعيا، وظهر ان السياسة الخارجية الاردنية تفتقر الى النظرة الاستراتيجية. ومن المؤسف ان جمهرة السياسيين والصحافيين والمثقفين الاردنيين، اغمضت هي الاخرى اعينها، عن لوحة الصراعات المعقدة في المنطقة، واخذت تحتشد وراء تحليلات بلا مضمون.
اين هو الخطأ الرئيسي الذي ارتكبته – وترتكبه السياسة الخارجية الاردنية، عادة-؟ انه يكمن في الايمان المطلق بالقوة المطلقة للولايات المتحدة الامريكية.
كلا! الولايات المتحدة هي في مأزق استراتيجي في العراق، وهي تلعب كل الاوراق الاقليمية لادارة هذا المأزق، والخروج منه، رابحة او بأقل الخسائر. وهي استخدمت وتستخدم العصا والجزرة للتوصل الى صيغة ملائمة بشأن العراق. فالعراق هو المشروع الامريكي الاساسي في الشرق الاوسط.
لا واشنطن ارادت او تريد ان تذهب الى ورطة اخرى في ايران او سورية، ولا طهران او دمشق ترغبان بمصير بغداد. وفي هذه الحدود بالذات بدأت اللعبة وتستمر. في ايدي الامريكيين اوراق: الملف النووي الايراني، وملف التحقيق في اغتيال الحريري، والقرار الدولي القاضي بتفكيك حزب الله، والحصار الشامل المفروض على حكومة «حماس» ولديها حلفاء في الخليج ومصر والاردن والسلطة الفلسطينية، بالمقابل، لدى ايران وسورية، القدرة الميدانية في العراق، تستطيعان اشعال المزيد من النيران في هذا البلد او المشاركة في الاطفاء.
كذلك، يستطيع حزب الله ان يلعب دوراً مزدوجاً في لبنان، التصدي لاسرائيل والحفاظ على توازن داخلي يضمن الحد الادنى الضروري من النفوذ السوري. و «حماس» التي ظهرت شريكاً في هذه الجبهة لديها قدرات ميدانية في فلسطين وخارجها، بالاضافة الى انها تملك الشرعية الانتخابية. وهذه كلها مصدات ودروع للقوة الاقليمية الايرانية الموجودة بقوة في الداخل العراقي.
توازنات الرعب هذه تسمح – وسوف تسمح – بعقد الصفقات. وحين كنا نلح على ذلك، كانت جمهرة النخبة الاردنية، تتوهم ان النظام السوري لن يخرج من عنق الزجاجة، وان لبنان سوف يقع تحت سيطرة آل الحريري، وان الحرب الامريكية على ايران هي مسألة وقت! وها قد اكدت التطورات ان هذه التصورات تنطلق من قراءة المواقف الامريكية لا من قراءة الواقع العياني.
الآن، تتجه المنطقة كلها الى سلسلة من الصفقات. الولايات المتحدة تريد التهدئة – عسى ان تتمكن من انقاذ مشروعها الرئيسي في العراق – والقوى الاقليمية المضادة تريد التهدئة عسى ان تتحاشى الصدام مع القوة الامريكية الكاسحة -.
الصفقة في لبنان جرى عقدها فعلا. الصفقة مع سورية على نار هادئة، الصفقة مع ايران تتبلور. الصفقة الفتحاوية – الحماسية تأتي في السياق، وبوصفها «علامة» او «رمزا». من المؤسف بالنسبة للاردن، ان الصفقات الامريكية الدولية الاقليمية، تشمل واحدة مع اسرائيل، فتحييد اسرائيل ولجمها عن التصرف كقوة امبريالية محلية، لها ثمن. هذا الثمن هو التفاهم الامريكي – الاوروبي – الاسرائيلي على المضي قدما في خطة شارون – اولمرت. هذا يعني بالمحصلة تقليص المجال الحيوي الاسرائيلي الى حدود فلسطين. والاردن! فالخطة التوسعية الاسرائيلية في الضفة الغربية، لها وسوف يكون لها آثار مباشرة على استقرار بلدنا وأمنه ومستقبله السياسي.