هل هناك بديل وطني؟!

ناهض حتّر
لقد بيّنت التطورات الراهنة ان برنامج التصحيح الاقتصادي وبرنامج السلام مع اسرائيل قد فشلا، وان تطبيقهما، والاصرار عليهما، اديا الى ازمة عويصة في الحياة السياسية الاردنية، واصبح واضحا، الان، اننا امام خيارين، لا ثالث لهما: فاما الديمقراطية، واما الاستبداد.

والواقع ان نهج الحكم الحالي للنخب السلطوية قد افلس بالكامل، بينما ما تزال قوى المعارضة الوطنية، من داخل النظام وخارجه، عاجزة عن توحيد صفوفها، وبلورة برنامجها السياسي والاقتصادي، وتوجيه جهودها لاسقاط النهج الكمبرادوري-النيوليبرالي وقواه الصاعدة، مما وضع البلاد في مسار الازمة الوطنية العامة. ومن هنا، فاننا ننظر الى وثيقة النواب الـ 46 ضد «المجموعة الاقتصادية» وسياساتها بداية مبشرة، لتجاوز ذلك العجز.

ما هو البديل الوطني المتاح في هذه المرحلة الحاسمة من حياة الدولة الاردنية؟! البديل في الواقع يتطلب ابتداء، الاستعداد لتقديم تنازلات من قوى الاجماع الوطني الذي لا بد من اجل حصوله تحقيق ما يأتي:

اولا: ضرورة الاتفاق على عزل قوى النيوليبرالية -الكمبرادورية، وتصفيتها سياسيا، كمقدمة لتصفيتها اقتصاديا.

ثانيا: مراجعة مجمل العلاقات مع (اسرائىل)، وتحجيم هذه العلاقات بما يحمي الامن الوطني، ويشكل قاعدة واساسا للتفاهم الوطني الداخلي، والالتزام بالاجماع العربي في السياسة الخارجية.

ثالثا: اجراء اصلاحات دستورية وسياسية، وفي مقدمتها تشكيل الحكومات على اساس المشاورات النيابية الملزمة، والغاء قانون الصوت الواحد للانتخابات النيابية، واطلاق الحريات العامة، ورفع القيود عن مؤسسات المجتمع المدني، والعمل الحزبي والنقابي.

رابعا: التوافق ديمقراطيا، على برنامج وطني للاصلاح الاقتصادي، على قاعدة التسويات السياسية والاجتماعية.

خامسا: التأكيد على تعزيز القيم الوطنية الاردنية، وكذلك الهوية السياسية والاجتماعية والتاريخية للدولة الاردنية،مع الاخذ بعين الاعتبار المصالح الاساسية للمجتمع وعلى وجه الخصوص للفئات الشعبية العريضة.

الاردن، عمليا، امام خيارين: كمبرادوري (يحتكر الاقتصاد ويسعى لاحتكار ادارته)، وسلفي (يحتكر الثقافة ويسعى لاحتكار ادارتها) والخياران يتضامنان معا على منع السياسة التي تمثل بالنسبة للاردنيين عنوان النهضة.

***

ان اهم قضية في هذا البرنامج الوطني للاصلاح الاقتصادي يجب ان تنطلق من التوافق الوطني الديمقراطي على مجمل اتجاهاته العامة، وهو ما لا يتطلب، فقط، اجراء حوارات ديمقراطية حوله، ولكن بناء آلية ديمقراطية قانونية ملزمة لاقراره وتنفيذة. بحيث يمثّل جميع المشاركين في صياغته والتوافق عليه واعداده، شراكة متضامنة في التنفيذ، والمسؤولية عن النتائج.

وكون البرنامج وطنيا، لا يعني انه سوف يقطع العلاقة مع الخارج ولكنه يعني، على وجه التحديد، ادارة العلاقة مع الخارج بما لا يتعارض مع المصالح الوطنية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى ان تكون العلاقة علنية وواضحة، ومدارة اردنيا من قبل عناصر وطنية ملتزمة بالاهداف العامة للبرنامج الوطني للاصلاح الاقتصادي، ومرتبطة بمصالح الاغلبية الشعبية في الدولة.

(من امثلة الخضوع اللاعقلاني للخارج: زيادة الضرائب على السيارات الصغيرة وتخفيضها على السيارات الكبيرة (الامريكية) ما يؤذي الفئات المتوسطة ويرفع كلفة فاتورة النفط).

ان التأسيس العملي الذي تحتاجه الدولة الاردنية للانطلاق والشروع في برنامجها يجب ان تؤسسه وتوجهه المنطلقات التالية:

1- ضرورة الاستجابة للاحتياجات الوطنية التنموية والاجتماعية الملحة، من البنى التحتية والسلع الانتاجية والخدمات، وفقا للاولويات.

2- تشغيل الاستثمارات الوطنية القائمة، وتحفيز سلسلة اخرى من الاستثمارات الوطنية الرديفة، المتوسطة والصغيرة، وفي اطار الترابط الجدلي لقطاعات الاقتصاد الوطني ومؤسساته

3- تأمين آليات متعاضدة لتوليد فرص عمل مجدية وفرص استثمارية في المحافظات والاقاليم

4- تأمين الاليات والهياكل ذاتية التمويل للتدريب واعادة التأهيل والبحث العلمي والتنشيط الثقافي والاجتماعي

5- السيطرة على العلاقات الاقتصادية الخارجية، بمعنى تكييف الفرص والاتفاقيات الاقتصادية الاقليمية والدولية، بما يعزز الاقتصاد الوطني ككل، ويعود بالفائدة على سلسلة واسعة من الاستثمارات الوطنية، وطيف واسع من الفئات الاجتماعية.

ان تشغيل هذا الدينامو الاقتصادي -الاجتماعي، يتطلب اذا، مشاركة اوساط اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية عديدة متنوعة، ومن المؤكد انه لا يمكن احداث التناغم بين هذه الاوساط متعددة المصالح والاتجاهات والنزعات، الا بوساطة الآلية الديمقراطية المؤهلة بدورها، لاحتواء الصراعات السلمية، وتحشيد الفئات المتصارعة على اهداف مشتركة، مثلما تمثل ايضا الميدان الملائم لبلورة الاسئلة التأسيسية الكبرى.

ومن هنا، فان هذا الشكل او ذاك من التغييرات والتعديلات الحكومية التي تجري في الاردن باستمرار، لا تشكل المدخل الصحيح للتعامل مع شبكة من المشكلات الوطنية المعقدة، ابتداء من السؤال المعلق حول الهوية الوطنية للدولة، ومرورا بالسؤال حول الميول المعتادة التي تدفع الرأسمال المحلي نحو الهجرة، وانتهاء بالسؤال حول المضمون الاجتماعي-السياسي للمشروع الوطني التنموي.

Posted in Uncategorized.