العرب اليوم
ناهض حتّر
وأخيراً، ظهر صوت كويتي يتطابق مع الحد الأدنى للإجماع العربي الرسمي… فقد أعلنت “الحركة السلفية في الكويت” معارضتها للحرب على العراق، وأفتت بتحريم “المشاركة” في الاعتداء عليه… ولكن الحركة لم تحرم تقديم التسهيلات للمعتدين. وهو ما يجنبها الصدام مع الحكومة الكويتية. كذلك، شدد الناطق باسم الحركة، عبد الرزاق الشايجي، على رفض حركته لفتوى الأزهر الشريف القاضية بالجهاد ضد الغزاة الأميركيين بحجة أن “النظام البعثي لا يوفر الأمن الجهادي…” وهو ما يفترض أن الجهاد ضد الغزاة لا يتم شرعاً، إلّا على الأرض المغزوَّة! وقد صمت الشايجي على حقيقة أن الغزاة الأميركيين يحتشدون على أرض الكويت!!
حسناً، فبالرغم من هذه التناقضات، يظل صوت “الحركة السلفية في الكويت” مختلفاً عن الإيقاع العام للسياسة الكويتية، الرسمية والشعبية… فالناطق باسم الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، إسماعيل الشطي، يرحب-بالرغم من شكوكه-“بالولايات المتحدة الأميركية إذا جاءت لتطوير الديمقراطية في بلادنا.” في حين أن كلمة الكويت في جلسة مجلس الأمن الدولي، (المنعقدة بطلب من مجموعة عدم الانحياز في 11/3/2003) كانت تزاود على رامسفيلد نفسه! ولا ريب! فللكويت مطالبها الخاصة إزاء العراق. وهذه فرصة…
***
تقف الكويت، بسياساتها المعلنة وبالتسهيلات التي تقدمها للقوات الأميركية المستعدة لغزو العراق، خارج الإجماع العربي الرسمي. إنها غير ملتزمة بالقرار العربي جملة وتفصيلاً. وهو موقف تتخذه الدول الخليجيّة بدرجات متفاوتة. ولكن الكويت هي الأرض التي سينطلق منها الغزو! وبدون تعاونها ربما كان ذلك الغزو شبه مستحيل. وهي لا تقول بأنني “مضطرة” بل تعلن أنها تريد. وهي أبدت استعدادها، مثلاً، لاستضافة الجنود الأميركيين الذين أجلت تركيا استقبالهم. إن الكويت شريك كامل في الحرب. وهذه حقيقة لا مناص من تجاهلها. وسوف تترتب عليها استحقاقات بعيدة المدى، يبدو أن الحكومة الكويتية لم تدرسها جيّداً.
***
تواجه الكويت معضلة مصيرية! إذ أن مستقبلها أصبح مرتهناً بمستقبل العراق. وحين يقول رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية الكويتية، أحمد بشارة، إن “تحرير الكويت لن يستكمل إلّا مع تحرير العراق” فهو يعبر، بدقة، هاجس يرى تلك المعضلة، وينطوي على الاعتقاد بأن إخضاع العراق، أيضاً، للاستعمار الأميركي يوفر حلاً استراتيجياً لها. ولكن، ربما كان الأمر ليس بهذه البساطة. فمجرد خضوع الدولتين الجارتين للاستعمار نفسه، لا يعني، البتة، أن الالتباس العراقي-الكويتي قد انتهى. ولكي أوضح هذا الالتباس واستحقاقاته المستمرة، سأضع جانباً السجال التاريخي بين الطرفين…لأتعامل مع أزمة جيوبولوتيكية قائمة لا تحلها الشراكة في الخضوع للاستعمار نفسه. وسأوضح، تالياً، معطيات هذه الأزمة:
أولاً-تعيش الكويت هاجس التهديد العراقي. العراقيون من مختلف التيارات والاتجاهات، يؤمنون، تاريخياً، بأن الكويت جزء من الدولة العراقية. يظنّ الكويتيون أن إزاحة نظام الرئيس صدام حسين سوف تؤدي إلى إنهاء هذه المطالبة العراقية إلى الأبد؟! وهو سؤال يثقل على الكويتيين حتى أن بعضهم يعتقد بأن الخلاص من هذا التهديد غير ممكن إلّا بالخلاص من العراق نفسه. ولكن تقسيم العراق سيضاعف، في رأيي، المشكلة الكويتية. فجنوب العراق، المستقل في “دولة” ناقصة… سيكون محتاجاً أكثر من العراق الموحد… إلى ضم الكويت!! فهل يكون الحل في تدمير العراق تدميراً شاملاً ونهائياً؟! هذا ما أشعر أنه “أمل” يداعب بعض “المثقفين” الكويتيين! سوى أن الجغرافيا لن تتغيَّر… وستعاود الحياة الازدهار في أرض العراق… ومعها سوف تزدهر المطالبة العراقية… بينما تكون قد تغذَّت بروح الانتقام التاريخي. فما هو الحل ؟!
ثانياً-إذا كانت المخاوف الكويتية من التهديد العراقي واقعية بالفعل، فإن المطالب العراقية العيانية من الجار الكويتي… هي الأخرى واقعية. فالعراق يحتاج إلى المنافذ البحرية الكويتية. فالكويت الصغيرة تأخذ من البحر أضعاف ما يأخذه العراق الكبير منه. كذلك يحتاج العراق إلى تعاون الكويت في عدة مجالات سياسية وأمنية وتجارية وخصوصاً نفطية.
ثالثاً-مع تأكيدنا على الحق الكامل للشعب الكويتي في الحفاظ على كيانه الوطني. فهناك حقيقة من الصعب تجاوزها. وهي أن الكويت تنتمي إلى الفضاء العراقي بأكثر مما تنتمي إلى الفضاء الخليجي. وهي مضطرة، بسبب ذلك، إلى التفكير ملياً في هذه الحقيقة الجيوبولوتيكية، والتعامل معها بإيجابية.
***
لا إلغاء الكيان الكويتي يشكل حلّا… ولا الانتقام المضاد يشكّل حلّاً أو سياسة ذات صدقية. وإذا كان العراق قد دفع ثمناً غالياً جدّاً جراء محاولته لحلّ الالتباس العراقي-الكويتي بالقوة العام 1990؛ فإن سياسة الانتقام الكويتية الراهنة، تبدو-على مأساويتها-كاريكاتيريّة. فالقضية العراقية، اليوم، أصبحت قضية دوليّة. وهي، بذلك، تتجاوز، الالتباس العراقي-الكويتي. ولذلك، نَصف الإصرار الكويتي على رؤية الأزمة الدولية الراهنة من منظار ذلك الالتباس… بأنه كاريكاتوري. لم تعد المعركة مع العراق… المعركة الآن هي معركة ولادة النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب. ولذلك، فالعراق-بالرغم مما سيتعرض له من أذىً-محميٌ من حيث وجوده الوطني ووحدة وسلامة أراضيه وقوته الإقليمية ومطالبه الجيوبولوتيكية. ويبدو أن هذه النقطة بالذات لا يفهمها الكويتيون في الحكم أو المعارضة. فهؤلاء خارج اللعبة القائمة. وهم يغامرون ليس حسب بسمعة الكويت ومكانتها عربياً ودولياً… ولكنهم يغامرون باستعداء العرب وشعوب العالم… لهذا الكيان الصغير الذي يوفر الأرض لحشد الغزاة في حرب يرفضها العالم. السياسة الكويتية، إذاً، ليست سياسة… بل غضبة انتقامية غير محسوبة سترتد على أصحابها…وسيكون الثمن غالياً جدّاً! ستقول لي: أميركا!!… سأقول لك: أميركا ستخرج من هذه المواجهة منهكة استراتيجياً ولن تحمل الكويت معها إلى فلوريدا!!