حتى اليوم الثالث من استطلاع موقع »العرب اليوم« الالكتروني, اجاب حوالي ستين بالمئة من القراء بـ »لا«, بينما اجاب حوالي 36 بالمئة فقط بـ »نعم«, هل ستتغير هذه النسبة في الايام المقبلة؟ لا اظن ذلك. ومن ملاحظاتي العيانية, استطيع التنبؤ, ببعض الثقة ان نسبة الاقتراع على المستوى الوطني لن ترتفع في انتخابات 2007 عن ثلاثين بالمئة.في اكبر التجمعات السكانية في الاردن, اعني العاصمة عمان التي تستأثر, ايضا, بأكبر عدد من المقاعد النيابية – 23 بالمئة من المقاعد – كانت نسبة الاقتراع, في انتخابات ,2003 لا تزيد على 29 بالمئة. وهذه النسبة مرشحة للتدهور بسبب الفشل في تحقيق اي تقدم في الاصلاحات السياسية, وتراجع نوعية المرشحين, واغراق الدوائر النيابية العمانية بالاصوات, فيما بينها ومن خارجها, واقتحام تجارة الاصوات كل الدوائر, بما فيها دائرة عمان الثالثة, المعروفة, تقليديا, بأنها دائرة سياسية بامتياز.
في الماضي, كان يتم تعويض نسبة الاقتراع المتدنية في العاصمة, بارتفاع نسب الاقتراع, احيانا الى 89 بالمئة في بعض المحافظات. وهي نسبة اقبال عالية جدا, كان محفزها الاساسي هو الاقتراع العشائري.
وعشية انتخابات 2007 تتبدل الصورة الانتخابية في المحافظات, للاسباب التالية:
1- تفسخ الاجماعات العشائرية تحت وطأة الانقسامات الطبقية الحادة في صفوف العشائر بين الرابحين والخاسرين من التحولات الاقتصادية الليبرالية. وعلى هذه الخلفية, بروز رجال الاعمال الاثرياء في واجهة العمل الاجتماعي والسياسي على حساب القيادات التقليدية والمثقفين.
2- استشراء ظاهرة شراء الاصوات على نحو غير مسبوق في العاصمة كما في المحافظات, مما يجعل المنافسة, بلا معنى, بين مرشحين بميزانيات مليونية ومرشحين بالكاد بتوفرون على مصاريف الحد الادنى لخوض المعركة الانتخابية. وعلى هذه الخلفية, ينشأ شعور عام بأن المنافسة محسومة مسبقا, بحيث لا يعود ثمة من معنى للمشاركة.
3- انتشار الاشاعات التي تؤكد وجود مرشحين مدعومين من قبل السلطات المعنية, بحيث تكون منافسة هؤلاء عبثية.
4- انكماش مشاركة المثقفين وقادة الرأي والحزبيين, بسبب المعطيات السابقة, في الترشح او التحشيد او النقاش الانتخابي.
5- وللأسف, فان المشاركة الكثيفة المستجدة للمثقفين الليبراليين الجدد في الترشح والتحشيد للانتخابات العامة, لم يغير الصورة, بل كرسها. فهؤلاء, مزودون بالاموال من مصادر شتى, وبالدعم الحكومي الصريح, يمارسون الممارسات الانتخابية ذاتها التي يمارسها رجال الاعمال من حيث المبالغة في الانفاق وشراء الاصوات والاستقواء بالدعم الحكومي.
6- وبالاضافة الى كل ما سبق, تجرى الانتخابات النيابية في وقت غير بعيد عن الانتخابات البلدية التي شهدت اشكالا قروسطية من التدخلات الحكومية العلنية.
ولن تفلح اية حملة دعائية حكومية او مستقلة في دفع الناخبين الى الذهاب الى صناديق الاقتراع,, بكثافة, طالما انه ترسخت لدى المواطنين قناعة عامة بأنه لا توجد منافسة. فحتى شبيبة مشجعي كرة القدم لا يذهبون لمشاهدة مباراة اذا كانت نتيجتها معروفة مسبقا. وربما يذهب بعضهم من دون حماس.
ولعلنا نفهم, بناء على ما سبق, الاهمية الاستثنائية لمشاركة الاخوان المسلمين في الانتخابات النيابية. فمن دون هذه المشاركة التي انتزعها الرئيس معروف البخيت, بالعصا والجزرة, لكانت العملية الانتخابية برمتها قد فقدت اي صدقية. فهد ستكافئ السلطات »الاخوان« على هذا الموقف الانقاذي الذي سيدفعون ثمنه من شعبيتهم?
لقد لمست بنفسي لا مبالاة لم اعهدها ابداً في اي انتخابات نيابية سابقة, ليس في عمان فقط, وانما في البلقاء ايضا. ردة الفعل العامة لاي نقاش انتخابي هي اللامبالاة واحيانا السخرية المريرة. ومن مشاهداتي يتكرر, بكثرة, الموقف التالي: »اذا كان المرشح المفضل مدعوما, فلا حاجة له بصوتي, واذا كان من غير المدعومين, فلن يفيده صوتي« وهو منطق ربما يكون صحيحا, ولكن محصلته هي الاستنكاف عن المشاركة او تبرير بيع الاصوات.
لقد توصلت, بالفعل, الى ان العملية الانتخابية, في اطرها القانونية والسياسية والاجتماعية الحالية, اصبحت ضارة جدا بمجتمعنا, من حيث انها تعمل على تمزيقه وتفتيت وعيه وتمزيق قيمه الاخلاقية والوطنية. وطالما ان السلطات مصرة على منع الاصلاحات السياسية, وخصوصا منع اصلاح النظام الانتخابي, فمن الافضل لمصلحة المجتمع الاردني, الغاء الانتخابات العامة, وحتى تعديل الدستور للسماح بتعيين النواب على اسس واضحة, تراعي تقدم المجتمع الاردني والكفاءات والشروط التي تتعلق بنوعية النائب وتمثيل المحافظات والاتجاهات.