هل تحبّ الأردن? لا تخاطرْ به ..

غدا الجمعة ستسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى مسيرة تحت عنوان ‘ نصرة الشعب السوري’ في الكرك, مسيرة فشلت في الأسابيع الماضية بسبب رفض الكركية من قوميين ويساريين ووطنيين, لأي نشاط يشقّ الشارع الكركي. ولا يمكن النظر إلى الإصرار الإخواني على ذلك النشاط إلا بوصفه استفزازا لحراك الكرك وشبابها وجماهيرها. ومن حسن الحظ أن مساعي واعية يبذلها قياديون لمنع الصدام مع ‘الإخوان’ في المدينة التي تُعدّ البارومتر السياسي في البلاد.
نشاط استفزازي آخر يعدّ له ‘الإخوان’, في جمعة عمان غدا , هو الإحتفال بإنطلاق الحراك الشعبي في ذكراه السنوية الأولى. الحراك انطلق, كما هو معروف, في 6 كانون الثاني في ذيبان, بمبادرة من قوى عمالية وعشائرية, حين كان ‘ الإخوان’ ما يزالون خارج الحلبة, ولكنهم اليوم يزمعون السطو حتى على رمزية الذكرى.

من الواضح أن ‘الإخوان’, مستقوين بحلفائهم في قطر وأنقرة وواشنطن, يذهبون نحو التصعيد .. الذي رأينا بوادره, الجمعة الماضي, في بيان ‘شباب الإخوان’, وفي استعراضهم لمجموعة شبه عسكرية من أولئك الشباب في قلب عمان. ومن المتوقع أن يلجأوا إلى المزيد في المستقبل القريب.

الخطة الإخوانية واضحة. وتتمثل في الإنتقال إلى مرحلة العنف والفوضى والدماء والشهداء.. الخ, مما يضطر السلطات المعنية إلى التدخل وفرض الأمن بالقوة. وستتكفّل عندها الأطراف الإقليمية والدولية التي تدير ‘ الربيع العربي’, بالباقي; حملات إعلامية مكثّفة وضغوط سياسية واقتصادية ومالية على النظام, وقرارات من جامعة الدول العربية, والتهديد بطلب الحماية الدولية.. الخ

أليس هذا هو السيناريو السوري? ألا يتمسك ‘ الإخوان’ السوريون برفض الحوار والتسوية, ويشجعون ويقودون المليشيات المسلحة, و يواصلون الإلحاح على التدخّل الدولي في بلدهم?

سيكون قصير النظر مَن لا يرى نمط التفكير نفسه في الأردن أيضا. لكن السلطات الأردنية, بعكس نظيرتها في دمشق, اختارت, منذ مطلع العام الفائت, التعامل السلمي مع المظاهرات والإعتصامات. وهو ما صبّ ماء مثلجا على الرؤوس الحامية. لكن استمرار الإطار الوطني والسلمي للحراك الشعبي الأردني, أصبح قيدا ثقيلا على خطة ‘ الإخوان’ للسيطرة على البلاد. وهي خطة لا تنجح من دون نزع صفتيّ الوطنية والسلمية عن الصراع السياسي الذي التزم آلاف الشباب الأردنيين بخوضه بمثابرة , لكن بحس عال من المسؤولية إزاء الكيان والمصالح الوطنية العليا والأمن القومي. وهذا الإلتزام المسؤول هو الذي سيحقق, في النهاية, النصر للتحول الديموقراطي والاجتماعي, ويسمح بالإبقاء على التغيير كعملية داخلية خارج الخطط والحسابات الإقليمية والدولية.

لا توجد قوة قادرة على عرقلة مشروعنا الوطني الديموقراطي, طالما بقي شباب الحراك الأردني, من كل التوجهات الوطنية و القومية واليسارية والعشائرية, موحدين وملتزمين بأردنية الحراك وأردنية التغيير وبروح الحوار والسلم الأهلي. لكن, حال اتجهنا إلى العنف, فسنكون قد قدمنا لأعداء بلدنا, الفرصة للتدخل في شؤونه.

ضبط النفس وكظم الغيظ وتجاهل الإستفزازات وتجنّب الصدام بأي ثمن, سواء مع ‘ الإخوان’ أو مع قوى الأمن, كل ذلك ليس جبنا ولا دعة ولا تراجعا, وإنما هو الشجاعة الذكية بعينها; فطالما كانت عملية التغيير أردنية داخلية, فالحراك الأردني هو الأقوى, وحالما يوضَع الملف الأردني على مائدة إقليمية أو دولية, فسنكون قد دخلنا في نفق مظلم, وقدمنا البلد هدية لأعدائه. والفيصل بين الخيارين هو الحيلولة دون دورة العنف.

فلتكن القلوب حارة في حب الأردن, لكن, لتكن العقول باردة في إدارة الصراع. فلتكن التحركات سلمية ولا تنال من هيبة الدولة, والشعارات واقعية وبعيدة عن العنف اللفظي, وبرنامج التغيير موحدا و محددا وواضحا:

¯ إستئصال الفساد واسترداد ثروات الدولة وكنس الكمبرادور والنهج النيوليبرالي,

¯ قوننة فك الإرتباط والتحول الديموقراطي والحكم الدستوري المدني,

¯ قوننة العدالة الاجتماعية وتنمية المحافظات,

¯ وذلك, في إطار الحفاظ على الدولة الوطنية والسلم الأهلي ووحدة الشعب والهوية, والإجماع على حصانة المؤسسة العسكرية من أي سجال.

العنف السياسي والأهلي اليوم, أيا كان وفي أي سياق كان, ليس جراءة ولا رجولة, بل مجرد مخاطرة غير محسوبة بالوطن.0

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.