ناهض حتّر
أثارت المقابلة التلفزيونية التي أجرتها الاعلامية جيزال خوري مع رئيس الوزراء عدنان بدران، وبثتها فضائية العربية ليلة الأحد (٢٩/ ٥/ ٢٠٠٥) ردود فعل متباينة بين الأردنيين.
لقد حظيت “المقابلة” تلك، بنسبة مشاهدة عالية، بالنظر إلى رغبة الأردنيين بالتعرف على رئيس وزرائهم، المكلف بأضخم برنامج إصلاحي تشهده البلاد في تاريخها. وقد وصلتني رسائل هاتفية عديدة تنبهني إلى حضور المقابلة، ما جعلني أتابعها بانتباه.
وكان عدد من مشاهدي “المقابلة” مسرورين “بالأجواء المسلية” التي أضفاها الرئيس على الشاشة، بحيث اضطرت الإعلامية جيزال خوري إلى ان تعرب عن بعض الخشونة للحفاظ على جديّة برنامجها. لكن المشاهدين الأكثر تسيساً كانوا مستائين بشدة جراء المستوى الضعيف الذي أظهره رئيس وزراء الأردن… أمام العرب.
لم يظهر د. بدران، في المقابلة، قدرات رجل الدولة، كما لم يظهر قدرات الأكاديمي، وفشل، كلياً، في اقناع المشاهدين، بشخصه أو أفكاره أو- حتى- معلوماته، بالإضافة إلى استخدامه عامية عمان الغربيّة. وهي لغة هجينة منفرة ومن دون شخصية أو دلالات أو إيقاع.
ما فاجأ المشاهدين-وصدمني شخصياً- أن الرئيس رد على أخطر سؤال يواجهه- ويواجه الأردن- وهو امكانية تحقيق المشروع الشاروني حول “الخيار الأردني” (أي تحويل الأردن إلى وطن بديل وحل القضية الفلسطينية على حسابه على أساس إلحاق بقايا الضفة الغربية بأقاليمه) بالقول (حرفياً):
“خيار ولا كوسا”؟
وقد صدمت هذه الإجابة، السيدة جيزال، بحيث انها استدركت الموقف ونهرت الرئيس الحديث بحديّة-هذا ما حصل على مرأى من عشرات آلاف المشاهدين.
هل كان الرئيس يريد السخرية من المشروع الشاروني (الخيار الأردني) بقوله “خيار ولا كوسا؟” ربما. ولكنها سخرية افلتت منه، بحيث بدت مسيئة للغاية وجارحة. وحين انتقل الرئيس إلى الجدية، “قال ان الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه واهدافه الوطنية ولا يقبل الجنة بديلاً عن فلسطين.” وقد نبهته جيزال إلى انها متأكدة من ذلك، ولكنها تسأل عن موقف الإسرائيليين وضغوطهم… الخ، ولم يخطر في بال رئيس وزراء الأردن أن يدين هذا المشروع، أو أن يعلن أن الحكومة الأردنية ترفضه، أو يشير-عرضاً-إلى تمسك الأردنيين بوطنهم ودولتهم وهويتهم ورفضهم، بالتالي، للتوطين.
لم يكن ذلك مرحاً، بل محزناً للغاية.
حتى جيزال حزنت إزاء مستوى الحوار. لكنها سخرت، في موقف آخر، من قول الرئيس ان موضوع “الهلال الشيعي” ليس سياسياً، وسخرت في مواقف أخرى من إجابات لا تأخذ، بعين الاعتبار، المعلومات أو المعطيات أو المنطق أو الجدية.
للأوطان حرمة، وللدول هيبة.
وهذا ما يجعل المواطن مستعداً للموت في سبيل أرضه ووطنه ودولته. فهل يحق لرئيس وزراء الأردن أن يصف بلدنا بأنه “ساندويتش”!
نحن والأنباط والكرك والسلط وعجلون ودماء الشهداء وصايل الشهوان وهزاع المجالي ووصفي التل وبطولات جيشنا على أسوار القدس ورجفات القلوب الصغيرة على خفقة العلم… كل ذلك “ساندويتش”!؟
هل خلت اللغة العربية من أوصاف للوضع الأردني القائم بين محرقة العراق ومحرقة فلسطين؟ غير “الساندويتش”؟ ألا يستطيع الأكاديمي د. عدنان بدران أن يقول أن الأردن يقع “بين احتلالين” أو انه في “مأزق استراتيجي مزدوج”- مثلا- ولماذا “ساندويتش”؟ وهل ما يقال تخففاً ومرحاً-بين الرجل وزوجته او أصدقائه… يصلح في التعبير الإعلامي-السياسي لرجل الدولة؟!
وقد فهمنا من رئيس وزراء الأردن انه يوجد لدينا حزب “للقوميين العرب”. وهذه معلومة تعود إلى الستينات، حين كان د. بدران في ثلاثينياته. والآن، لا يوجد مثل هذا الحزب، كما أن “جبهة العمل الإسلامي” ليست أقدم الأحزاب الأردنية كما يعتقد الرئيس.
وعلى كل حال، فإن هذا ليس ذنب د. بدران، فهو ليس مسيساً أو ضليعاً أو عارفاً بالسياسة الأردنية. ولكن ألا يحسن أن يأخذ أي شخص يتولى رئاسة وزراء البلد دورة مكثفة في تاريخها وأحزابها وسياساتها ومزاج أهلها ولهجتهم؟!
ألا يحسن أن يتداول الرئيس مع مستشاريه، بالأسئلة المطروحة عليه في مقابلة تلفزيونية؟ ألم ينبهه أحد إلى أن الأردنيين ينفرون من المزاح في السياسة، ومن استخدام تشبيهات غير ملائمة في الحديث عن وطنهم وأوضاعهم؟!
لم يستطع الرئيس تقديم إجابة وافية مقنعة جادة أبداً. وكان في وضع استرخاء، رافعاً التكلفة مع الإعلامية جيزال خوري على نحو محرج، مستخدماً اسمها، عشرات المرات، في حديثه، مؤكداً على حججه بالقول “سدئيني يا جيزيل”!!
شاهدت “المقابلة” وأنا موزع بين مشاعر متضاربة-خجلان من العرب…-أتساءل: أأضحك أم أبكي؟!! الحوار مسلٍ للغاية… ولكنه الأردن الذي أفنينا زهرة الشباب في البحث عن معناه وشوامخه!!
إذا حصل د. بدران-بعد هذه المقابلة-على ثقة المجلس النيابي، فأنا أستقيل من الشعب الأردني.