ناهض حتّر
ليس من التقليد الصحفي أن يناقش أهل البيت ضيفهم، ولكن الصديق جميل النمري هو منّا وفينا، وما كتبه في «حديث الثلاثاء»، خطير… ويستحق وقفة!
أولاً… هنالك هفوة صغيرة في مقالة الصديق، وهي أنه نسب ديوان «فتافيت امرأة» لمؤلفته سعاد الصباح، إلى غادة السمان وجعله كتاباً. وهذا، بالطبع، شيء غير مهم، طالما أن قراءة الصباح أو السمان، ليست ضرورية لتكوين المثقف العربي.
بيد أن الصديق جميل، وهذا واضح كلياً، استطرف العنوان «فتافيت امرأة» ليعبّر عن واقع اليسار الأردني بقوله «فتافيت يسار» وهذا، بالطبع، لا يعيب، ولكن، لو كنت مكان الصديق، لما استخدمت عنوان كتاب، بدون العودة إليه، وتصفّحه على الأقل، ولما اعتمدت على «السمع» والذاكرة، في كتابةٍ أطلع فيها على الناس.
الهفوة صغيرة جداً. ولكنها تكشف شيئاً كبيراً جداً. إن الكادرات اليسارية الأردنية لا تقرأ، أو توقفت عن القراءة منذ زمان بعيد؛ وإنها تعتمد في تكوينها الثقافي، على المناقشات والحوارات والتعليقات الصحفية لا غير.
لو كانت الكادرات اليسارية الأردنية تقرأ، لانتقل الحوار بينها إلى مستوى آخر، غير الحديث الممجوج عن «وحدة اليسار»، وغير النقد الغورباتشوفي الخفيف لليسار التقليدي، وهو نقد يستند إلى بضاعة ليبرالية عفى عليها الزمان.
لا يمكن فصل أزمة اليسار الأردني عن أزمة اليسار العالمي والعربي. إن الحركة اليسارية العالمية تعاني من أزمة، وهي ليست أزمة مرض أو شيخوخة، بل أزمة ولادة ثانية، أو للدقة أزمة إعادة تكوّن على المستوى النظري، وعلى المستوى التنظيمي، وعلى المستوى الجماهيري. وتحقق الحركة اليسارية نجاحات ملحوظة على هذه المستويات جميعاً، في عدة بلدان، غير أنها ما تزال في مرحلة ما قبل الولادة على الصعيد الأممي، وهو ما يتطلب مراكمة النقاش النظري -الذي غدا أكثر تعقيداً وصعوبةً، نظراً لتعقّد تطور الأزمة الرأسمالية، وصعوبة المهام التنظيمية والسياسية الواجب القيام بها. وهذا كلّه موضع نقاش علمي رفيع في كتب ومطبوعات تصدر في العواصم الأوروبية، وفي القاهرة ودمشق وبيروت… وحتى في عمّان. ولكن. مرة أخرى، الكادرات اليسارية الأردنية لا تقرأ، وما تزال تحاور شفوياً، وبعدّة نظرية أصبحت من الماضي.
لا نريد الخوض في مسائل نظرية في هذا المقام. ولكننا نشير، فقط، إلى أن الانتساب إلى اليسار، قد غدا، الآن، انتساباً إلى مستوى نظري وسياسي، نعتقد أن الاأحزاب اليسارية الأردنية، بقياداتها وكادراتها وأعضائها، عاجزة كلياً عن التعامل معه. وأفضل ما تفعله هذه الأحزاب هو أن تجد لها مكاناً في «يسار» القوى الليبرالية. وإذا فعلت ذلك، فهي تستحق جائزة. ولكنها لن تستطيع، ذلك لأن أزمتها نابعة، بالأساس، من كونها امتدادات مرحلة انتهت، و«زوائد» لقوى هي من خارج التركيب الاجتماعي-الاقتصادي الأردني. أي أنها، بوصفها بنى لا أفراداً، لا تعبِّر عن قوى اجتماعية حيّة، ولو كانت كذلك لاستطاعت إيجاد حلول لمشكلاتها النظرية والسياسية والتنظيمية، تحت تأثير تلك القوى، كما حصل في إيطاليا وبولندا وروسيا والمكسيك وسواها!