ناهض حتّر
من بين الـ 67 نائباً الذين منحوا الثقة لحكومة عدنان بدران، هناك نواب فعلوا ذلك على الضد من قناعاتهم. وهو ما يحدث عادة. الا انه، هذه المرة، حدث على الملأ، كفضيحة علنية.
يدعي بعض النواب انهم تعرضوا لـ «ضغوط»، ويقول بعضهم انهم حصلوا على مكاسب لمناطقهم – وهذا ما يهمهم! – وربما لانفسهم. ولم لا؟
«الضغوط»انواع تدور كلها حول المكاسب. بمعنى الخشية من اسقاط النائب في الانتخابات القادمة، او وقف الدعم لمنطقته او جماعته او عرقلة مصالحه او مصالح قاعدته الانتخابية. ويدعي النواب، عادة، ان قواعدهم تقف على يمينهم، وتدفعهم لاتخاذ مواقف سياسية لا تتفق مع «قناعاتهم»!
وبالمحصلة، فاننا نجد النائب غير الملتزم، واقعاً فريسة الفصام بين مستوى التمثيل السياسي وبين مستوى التمثيل المناطقي والعشائري والشخصي وهو سياق تناقضي يضعف تمثيل مجلس النواب «للامة» ويشل دوره السياسي.
المشكلة ليست اخلاقية. والعيب ليس في النواب .. ولكن في قانون الانتخابات العامة، المفصل بحيث يستبعد المثقفين العضويين والشخصيات الوطنية والاحزاب والتيارات المدنية من عضوية البرلمان. وقد اصبح الاخير هيئة اشخاص لا هيئة تيارات وقوى. والاشخاص لا يلزمهم شيء سوى الضمير الشخصي «وكلمن وضميره!!» او مثلما يقول العراقيون «كلمن وحليبه»!
اهمية المعركة النيابية – الحكومية الاخيرة، انها انتهت بهزيمة مزدوجة للحكومة وللمجلس النيابي معاً:
لقد تبين ان الاسلوب القديم في تشكيل الحكومات، لم يعد قادراً على انتاج حكومات ذات صدقية وحضور وديناميكية، بل يكدر الازمة السياسية ويفاقمها. وقد حاول مجلس النواب ان يعالج هذه الازمة – التي بلغت احدى ذراها مع تشكيل حكومة بدران – لكنه فشل، بسبب ضعفه التكويني، وهكذا، فان الحكومة والبرلمان، انتهيا معاً الى ازمة مفتوحة، لا يمكن حلها بالترقيع.
لذلك، فان الدعوة الى اعطاء فرصة للحكومة – الموثوق بها من قبل نواب يخضعون للضغوط ولا يستطيعون تحمل اعباء الالتزام السياسي – تغدو بلا معنى، خصوصاً ان شيئاً لم يتغير في تركيبة هذه الحكومة او برنامجها، لتفادي العزلة.
المطلوب الآن – بالعكس – اجراء مراجعة شاملة للتجربة المريرة التي تحبط العملية الديمقراطية، سواء في آلية انتخاب المجالس النيابية ام في آلية تشكيل الحكومات.
ان الضعف التكويني للعملية السياسية الوطنية، يجعلها عاجزة اكثر فاكثر عن استقطاب الديناميات التنموية والاجتماعية والثقافية والسياسية في مجتمع يغدو اكثر شللاً وانقساماً واستعداداً لتأييد التطرف او اللامبالاة.