هاجس الهوية عند عرار لا يتضمن أي عنصر له علاقة بالعصبية أو بالتعصّب من أي نوع. بالعكس، الهوية الأردنية التي ألّفها عرار في ممارسته الشعرية والحياتية، هي هوية ديمقراطية تعددية مساواتية منفتحة على الإثنيات والأديان والمجموعات الاجتماعية من بدو وفلاحين وشركس وأرمن وغجر، ومسلمين ومسيحيين، والمجموعات السكانية المهاجرة من البلدان العربية، وكل مكونات الأردن الذي هام عرار في جنباته، وتعشّق طبيعته وناسه، ومجّد نمط حياته المساواتيّ، وتسامحه، وكدحه، وتراثه الشعبي،ولهجة وأسلوب التعبير الفني لدى الكادحين الأردنيين.
فقصيدة عرار، لذلك، هي، في النهاية، عامية مفصّحة أو لنقل إنها فصحى أردنية.
بارك الله فيك أردن دارا
ليس فيك الغريب عن أوطانه
هاجس الهوية عند عرار اتخذ ثلاثة مناحي. الأول اجتماعي. فباسم الفلاحين والبدو الكادحين ونمط حياتهم البسيط التعاوني الإنساني، عارض عرار الإمارة الأردنية الناشئة، بما أحضرته في حياة مجتمع مساواتيّ من نخب بيروقراطية وعسكرية وتجارية ودينية وما فرضته هذه النخب من تراتب طبقي مستجد على المجتمع الأردني أنذاك. ومتسلحاً بالهوية الاجتماعية الشعبية، والقوالب القولية الشعبية، سخر عرار من تلك النخب وبذخها وتعاليها على الشعب ونمط حياتها المنغلق وتعصبها وزيفها.
شن عرار هجوماً شعرياً مثابراً على المرابين ورجال الإدارة والشرطة والمثقفين الرسميين
يا شر من بليت هذي البلاد بهم
إيذاؤكم فقراء الناس يؤذيني
إن الصعاليك مثلي مفلسون وهم
لمثل هذا الزمان الزفت خبوني
يا هبر بي فقر كفقرك للإباء وللحمية
أو ما تراني قد شبعت على حساب الأكثرية
واكلت بسكوتا وهذا الشعب لا يجد القلية
ولبست إذ قومي عراة غير ما نسجت يديا
مؤكدا هويته كفلاح دائماً.
قالوا تدمشق قولوا ما يزال على علاته إربدي اللون حوراني
المنحى الثاني في هاجس الهوية عند عرار .. هو هاجس ثقافي. فالثقافة المحلية لما قبل عهد الإمارة ونخبها المفروضة عالة على المجتمع المنتج، كانت منفتحة على الحياة، بلا تعصب ديني أو تعصب ضد المرأة أو تحريمات السلفية.
عبود يا ناعي النهار على المأذن في العشية
قسما بماحص والفحيص وبالطفيلة والثنية
ليس الهدى وقفا على فئة الشيوخ الأزهرية
إن الحياة لها قواعد غير متن الخزرجية
فنبيذ قعوار اللذيذ وأنة الناي الشجية
وهيامنا بالغانيات من الأمور الجوهرية.
المنحى الثالث جمالي. فقد طبع عرار شعره، بجماليات المكان مكتشفاً روحه ومضيئاً على العلاقة بين الناس والطبيعة.
يا مي دحنون وادي الحور حمرته
قد شابها ببياض طل نيسان
ناشدتك الله والأردنّ هل قبسا خداك لونهما من لونه القاني