نقاش مع زياد منى

من المستهجَن أن يكون الضحية جلاّدا؛ فالفلسطيني من المفترَض أن يكون حسّاسا بصورة خاصة إزاء ممارسة العنصرية نحو الآخر، وخصوصا الآخر الأردني الذي تميّز عن الجميع بأنه لم يمارس أي عنصرية ضد الفلسطينيين، وإنما استقبلهم وما يزال بروح الأخوة، وتقاسم معهم حياته ووطنه ودولته.غير واضح السبب الذي دفع زياد منى، الآن، إلى استعادة مقولة ‘ شرق الأردن: كيان وظيفي’، لكن قد يكون ذلك ناجما عن التحركات العراقية والإيرانية (والسورية) لاجتذاب السياسة الأردنية إلى موقع حيادي بين المحور الأميركي الخليجي التركي والمحور الروسي الإيراني المشرقي. زياد منى يقول، إذاً، لمحور المقاومة: لا تحاولوا مع الأردن هذا كيان وظيفي!
غير أن الكاتب يتجاهل السبب وراء تلك التحركات، ألا وهو ظهور حركة وطنية شعبية أردنية متنامية ومؤثرة، ولها امتدادات داخل الدولة وأجهزتها، وقفت، ومنذ وقت مبكر، إلى جانب الجمهورية العربية السورية وجيشها ونظامها ووحدتها وخطها المقاوم. وكلّ مَن تابع التطورات السياسية في الأردن، خلال السنتين الماضيتين، لا بد وأنه لمس كيف أثّرت الحركة الوطنية على القرار السياسي، فلجمته حينا وتصدت له حينا وأربكته دائما، وفرضت عليه خفض مستوى التدخلات في سوريا، وسريتها، وألزمته بخطاب سياسي إيجابي.
يؤكد المسؤولون السوريون، دائما، أن الحدود الأردنية ـ السورية، على رغم ما شهدته من خروقات مؤذية، كانت، خلال الحرب كلها، الأهدأ والأقل ضررا على دمشق بالمقارنة مع الحدود الأخرى. ويُسجّل للحركة الوطنية الأردنية، أنها شكلت، وما تزال، أقصى ما يمكن من الممانعة الداخلية للتورّط في سوريا.
قدرات الحركة الوطنية محدودة، وبالتالي فإنها لم تستطع أن تقدم شيئا ملموسا يمنع غزو العراق العام 2003، ولكنها عبأت الشعب الأردني ضده كما لم يحصل في بلد عربي آخر. وهذا هو الحال نفسه في كل مفاصل التضامن مع الشعب الفلسطيني.
داخليا، شهد الأردن منذ 2010، حراكا شعبيا لم يضيّع بوصلته الوطنية والقومية، ولم يغرق في الأوهام الليبرالية، وإنما ركّز، وما يزال، على مهمات دحر التبعية وإسقاط النهج النيوليبرالي وشبكة الفساد ووقف الخصخصة، وكذلك الشروع في برنامج تنموي وطني في المحافظات. ومن المعروف أن أبناء المحافظات هم الذين يشكلون عصب الحراك الشعبي الأردني.
لا نجادل زياد منى، بالطبع، في حقه في التنديد بسياسات النظام الأردني؛ فنحن نفعل ذلك بصورة مثابرة وصريحة، لكن ليس من حقه أن يستغل تلك السياسات من أجل إلغاء التاريخ الاجتماعي والسياسي لشرق الأردن وشعبه، بعبارات عنصرية تتبنى عنصرية الاستشراق والوثائق البريطانية، وتغض بصرها عن واقع المجتمع الأردني المتبلور في دولة وطنية لها هويتها وحضورها ومصالحها وحركتها الوطنية.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.