منذ ربيع 2011، قلنا لكم : إن نظام الرئيس بشار الأسد غير قابل للسقوط؛ فهو ـ نكرّر ـ يتمتع بقاعدة اجتماعية داخلية واسعة، وقاعدة اقتصادية متينة، ويذود عنه جيش صلب عنيد مقاتل( ليس حزب الله الذي هزم إسرائيل، سوى فرقة من فرقه،) ويحيط به حلفاء ‘ لا يخلعون صاحبهم’، صادف أنهم يبنون حلفا عالميا جديدا صاعدا في السياسة والدفاع والاقتصاد، يشمل روسيا والصين وإيران.. ودول البريكس ومعظم أميركا اللاتينية. ونقول لكم الآن: إن المشروع الرجعي الإرهابي العثماني سوف يسقط بالحسم العسكري؛ فالروس لا يشنّون، حسب، أعنف الغارات الجبارة الدقيقة على مواقع الإرهاب، بل ينغمسون في إعادة هيكلة وتسليح وتحديث الجيش العربي السوري؛ وأول مخرجات هذا التحديث، الفيلق الرابع / اقتحام، الذي يُعَدّ الأحدث بين الفيالق المجحفلة على مستوى عالمي؛ ولسوف تُسحَق القوى الرجعية والإرهابية والطائفية، سحقا في سوريا التي ستخرج، من هذه الحرب، أقوى في مكانتها الدولية، ودورها الإقليمي، ونظامها، وجيشها، واقتصادها…؛ فما لا يعرفه الكثيرون أن خزائن الصين مفتوحة لتمويل الحرب على الإرهاب، وإعادة البناء.
سوريا، الموحدة المستقلة العلمانية، ستكون حجر الرحى للنظام الإقليمي الجديد؛ بالمقابل، سوف تنكمش إسرائيل أمام خيارات كلها صعبة:
ـ فالطيران الإسرائيلي أصبح مشلولا في أي مواجهة مقبلة مع سوريا ( ولبنان؛) فقد أعاد الروس، وطوّروا، بناء نظام دفاع جوي حديث يكفل حماية السماء السورية ـ اللبنانية، في مواجهة تركيا وإسرائيل معا؛
ـ وما يحدث، الآن، من تنسيق روسي ـ إسرائيلي لتلافي حوادث الطيران، يعني، في الواقع، أن تل أبيب أدركت ( على العكس من أنقرة) ما الذي تعنيه جيرة روسيا، استراتيجيا، وما هي الحدود المستجدة لحركة القوات الإسرائيلية؛
ـ والجبهة الشمالية من جنوب سوريا إلى جنوب لبنان، أصبحت جبهة واحدة، يمكنها إدامة حركة مقاومة ترهق الكيان الإسرائيلي الذي سيكون عليه الاختيار بين مواجهة مديدة مكلفة وبين الانسحاب من الجولان ومزارع شبعا، حتى حدود 4 حزيران 1967؛
ـ والثروات الغازية والنفطية الهائلة، المكتشفة على السواحل السورية واللبنانية والفلسطينية، يشكل استغلالها إطارا لتفاهمات دولية وإقليمية، سوف تضع الإسرائيليين أمام ضغوط غير مسبوقة، فيما يتصل بحل جدي مع سوريا ولبنان؛
ـ هل ينطبق ذلك على المسار الفلسطيني؟ لا للأسف؛ فبالنظر إلى غياب العامل الذاتي ( القيادة السياسية المستقلة والمشروع الوطني المقاوم) والتورط في قيود أوسلو، والتنسيق الأمني ـ بالنسبة لرام الله ـ والتورط في مؤامرات الإخوان المسلمين ـ بالنسبة لحماس ـ سيكون صعبا على الفلسطينيين، الإفادة من المناخ الإقليمي الجديد؛ إلا إذا حزم الأردن أمره، وقرر تنويع تحالفاته الدولية، والتفاهم مع الروس على صيغة للاندماج في الحلف المعادي للإرهاب، ومشروع إعادة تأسيس النظام العربي، وفي القلب منه سوريا.
لم يعد مقبولا أن تظل السياسة الأردنية مشغولة بإرضاء قوى إقليمية آفلة، ومتحالفة مع غرب منافق متآمر على بلدنا، وغارقة في دواوين ليبراليي قطرائيل من الترويج لقانون انتخاب التوطين السياسي، والبحث في تنفيذ تسهيلات أبناء الأردنيات، والتحريض على شق الصف الوطني، وافتعال صراعات سخيفة حول إقالة فلان وتعيين فلان الخ بين أعضاء نخبة لا تكل من ترؤس الجاهات ، بينما تنمّ همسا عن كوميشن هنا وآخر هناك، على حساب أمن الوطن وسمعته.
ـ حان الوقت لمعركة سياسية وثقافية علمانية مدنية شاملة ضد التيارات الإخونجية والسلفية والتكفيرية والطائفية؛
ـ حان الوقت للتفاهم مع سوريا حول الأمن الثنائي واللاجئين والترانزيت والتبادل التجاري والتنسيق السياسي والدفاعي؛
ـ حان الوقت لطرح ملف اللاجئين الفلسطينيين، إقليميا ودوليا، بدل السعي لتوطينهم سياسيا وقفل الملف؛
ـ حان الوقت لإعادة بناء الدولة الوطنية في منظومة مالية واقتصادية واجتماعية وثقافية، قادرة على إخراج البلاد من وضع التبعية السياسية وارتهان القرار للمساعدات والمنح. وهو ما يتطلب مراجعة كاملة للسياسات المالية والاقتصادية، لصالح الدولة والأغلبية الشعبية؛ كما يتطلب مشروعات عملاقة ليست ممكنة، واقعيا، إلا في إطار مجموعة البريكس، وليست قابلة للحياة إلا بإلغاء الأدوار الأمنية السلبية؛
ـ حان الوقت لانتفاضة أردنية في مواجهة العدوانية الإسرائيلية؛ فلا معنى للسلام مع إسرائيل، طالما أنها تحتل أراض عربية، و تحول دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتمتنع عن تنفيذ القرارات الدولية بعودة اللاجئين إلى بلادهم.