نسألك الرحيلا ..

إعتبارا من الجمعة الماضي, أصبحت حكومة عون الخصاونة, عبئا سياسيا ثقيلا على النظام والبلد. فلقد لخّص شعارٌ مركزيٌ للحراك, الموقفَ الشعبي من رئيسها في وصف عنيف لم يجر تداوله منذ الخمسينيات, كما لخّص برنامجها في كلمتين: ‘ الوطن البديل’.
لو كنتُ مكان الرجل لاستقلتُ فورا. فالمشكلة, هنا, ليست مع مجموعة سياسية منافسة, ولا الخلاف على قرار إقتصادي, ولا النقاش حول قضية إجرائية بل حول القضية الوطنية الأساسية, قضية الوطن والدولة.

ولعلنا نميّز, هنا, بين السجال السياسي مع الخصاونة, وبين الإتهام الشعبي الصريح له. فالأول يعكس خلافات الرأي داخل النخبة, بينما يعبّر الثاني عن تلاشي الثقة الشعبية في رئيس الوزراء وفي أقدس القضايا, ما سيجعل كل الإقتراحات الحكومية, موضع شك عميق, لا تصلحه تفسيرات ولا توضيحات.

العين, اليوم, على وزارة الداخلية التي ينتشر كالنار في الهشيم خبر إنصرافها إلى التجنيس الكثيف. وبرأيي أن وزير الداخلية لن يستطيع, مهما فعل, أن يبدّد هذا الخبر الذي استقرّ في خانة القناعة الشعبية. وقد عززته وقائع وتصريحات ومعطيات متضاربة ولكنها انتظمت كلها في سياق مطالب وفد الكونغرس الأمريكي المتمحورة في الباب نفسه.

ومن المعلوم أن حكومة الخصاونة ملزمة, عما قريب, بتقديم مشروع قانون الإنتخابات العامة إلى المجلس النيابي. وستكون النظرة الشعبية لهذا المشروع شكاكة وتفسّر الكبيرة والصغيرة بربطها بالمشروع الأمريكي للتوطين السياسي. وسيغرق المشروع في مستنقع الريبة. ولا أتحدث, هنا, عن الجدل الساخن المطلوب, بل أتوقع تحميل المشروع من الإتهامات ما سيسقطه ويسقط الحكومة في الشارع, بحيث يكون من الصعب إجراء الإنتخابات النيابية في هذا العام.

يظل ممكنا, بالطبع, تجاهل الإتهامات الشعبية للحكومة, لكن ذلك سيعقّد المشهد السياسي الأردني بصورة خطرة للغاية, وينتهي بالتغيير الحكومي تحت الضغط. ولعله من الحكمة تلافي هذا السيناريو بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة اتحاد وطني محل ثقة, و قادرة, بالتالي, على إتخاذ القرارات التأسيسية الكبرى التي لا مفر منها لمنع التدخل الأجنبي في شؤون البلاد ووضعها على سكّة التغيير الديموقراطي السلمي من دون الغرق في مشكلة التجنيس.

ولإدراك حجم مشكلة التجنيس التي نواجهها, وارتباطها العضوي بمسائل التحوّل الديموقراطي, لعله من المناسب أن يراجع القارىء الكريم, نص قانون الجنسية الأردنية لسنة 1954 الساري المفعول. وهو يقر, بلا قيد, حق جميع أبناء الضفة الغربية بالجنسية الأردنية حكما, كما يعطي حق اختيار الجنسية الأردنية للمغتربين منهم ومن ‘الجزء المغصوب من فلسطين’! وهذا القانون معطّل منذ العام 1988 بقرار سيادي وتعليمات عُرفيّة, تعطيلا لن يصمد أمام المحكمة الدستورية, مما يجعل تغيير ذلك القانون على أساس فك الإرتباط ومنع تجنيس العرب والأجانب نهائيا, خطوة لا بد منها قبل الشروع في مناقشة سواه من القوانين السياسية.

ونختم بسيناريو أكثر حيوية, ويتمثل في تصدي مجلس النواب لهذه الخطوة, ووضع الحكومة أمام خيار التفاعل مع الإرداة الشعبية أو الرحيل.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.