انتهت أربع سنوات من الحرب على سوريا؛ الولايات المتحدة أعلنت ما كان معروفا من استعدادها للاعتراف بالهزيمة: التفاوض مع الرئيس بشار الأسد. حسنا، نعرف أن أطراف الحلف المعادي لدمشق، من أنقرة إلى الخليج إلى ‘المعارضة’، لن تخرج، في النهاية، عن الخط الذي تقرره واشنطن.
ما الذي كان بوسع الأميركيين، في إطار موازين القوى الدولية والإقليمية المستجدة، عمله، لإسقاط الدولة السورية، ولم يفعلوه؟ شغّلوا، منذ «ربيع» 2011، حملة سياسية مكثفة لعزل دمشق وسحب الشرعية من الرئيس الأسد، وحاولوا استخدام القرارات الدولية لتكرار النموذج الليبي في سوريا، ونظّموا (كما كشف الزميل محمد بلوط) اغتيال قيادات سورية في تموز 2012، في سياق خطة انقلابية فاشلة، ووصلوا، في صيف 2013، إلى شفير العدوان المباشر على سوريا، تحت ذريعة الأكاذيب عن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي، وعجزوا.
وخلال كل ذلك، وبعده، لم تدّخر واشنطن، جهداً في تعبئة وإدارة وحماية الجماعات المسلحة والإرهابية وإراقة دماء السوريين وتدمير اقتصادهم ومنجزاتهم ونهب ثرواتهم. والآن، جاءت ساعة الحقيقة.
بعد أيام من اندلاع التمرد الطائفي المسلح في سوريا، في ‘ربيع’ 2011 الأسود، سألتني الزميلة رندا حبيب، عن توقعاتي في خضم التنبؤات عن مواقيت رحيل النظام السوري. قلت لها: هذا غير وارد. مَن يعرف سوريا وتركيبتها الديموغرافية والاجتماعية والسياسية، يدرك أن النظام السوري عصيٌ على السقوط؛ وهذا ما أوضحته التطورات اللاحقة في صمود مؤسسات الدولة ـ وفي مقدمتها الجيش السوري ـ الذي يزداد فعالية وقوة، كما في اقتراع أغلبية سورية وازنة ( حوالي 66 بالمائة من السوريين) لصالح الرئيس الأسد في انتخابات 2014.
ما يهمني الآن هو المصالح الأردنية العليا؛ فالأردن سوف يخسر كثيرا من اللحاق بالركب الذاهب للتفاهم مع دمشق؛ لماذا نلحق بذيل الآخرين، ولا نتصدّر المبادرة إلى مصالحة ثنائية مع سوريا، تحقق لعمّان ما يلي:
أولا، القيام بدور المبادر والوسيط، بما يعزز المكانة الإقليمية للبلد؛
ثانيا، تلافي منعكسات تبلور تسويات إقليمية، يكون الأردن خارجها؛
ثالثا، الشروع في ترتيبات عودة قسم رئيسي من اللاجئين السوريين إلى ديارهم؛
رابعا، التنسيق الأردني ـ السوري، في مواجهة الإرهاب. وهو ما يشكل شرطا للانتصار على الإرهابيين؛
خامسا، تأمين منطلق لإعادة بناء النظام العربي ابتداء من رباعية سورية ـ عراقية ـ مصرية ـ أردنية؛ سوف يكون ذلك اختراقا تاريخيا لإخراج المنطقة من دائرة التجاذبات الإقليمية والدولية، وتعزيز الأمن القومي.