قضايا الحدث
ناهض حتّر
«ليس الحفاظ على الدول… بالكلام»
ميكافيللي
لكم كانت دهشتنا كبيرة، حين رفضت الصحافة اليومية، نشر اعلان «اللجنة الشعبية لاحياء ذكرى الشهيد وصفي التل» لقراءة الفاتحة على روح الشهيد في ذكراه الرابعة والعشرين.
ولكم كان غضب الصديق الدكتور ناصف التل حاراً، وهو يسأل احد رؤساء التحرير، اذا ما كان الاخير يمتنع عن نشر اعلان لاحياء ذكرى المقبور رابين؟!
وكان الصديق الدكتور، ناصف، يعرف الاجابة، وتكاد ان تقتله الاجابة! فالصحافة اليومية -حتى بعضها الذي لا يكل من الانشائيات القوموية امتثلت، جميعها، ونشرت اعلان السفارة «الاسرائيلية» في عمان، لنعي قاتل الجنود الاردنيين على ثرى القدس… الارهابي الذي مات ارهابياً رابين!
قال رئيس التحرير: ان اللجنة الداعية لقراءة الفاتحة على روح وصفي التل… ليست شرعية!
واما سفارة الغزاة في عمان… فشرعية!
واما اقدام الغزاة التي تدوس ارواحنا وهي تدنس تراب الاردن المقدس… فشرعية!
واما ابواق الوطن البديل… فشرعية!
واما كونفدراليات بيريز… فشرعية!
واما الفار حسين كامل وصحبه.. فشرعية!
واما الطائرات «الاسرائيلية» تحلق في سماء عمان مزهوة تحتفل «بالسلام» بعد طلعة اعتيادية لقتل اطفال جنوب لبنان… فشرعية!
واما استعداء سورية ومصر، والكيد لهما، واستبدال الشرق اوسطية/ الصهيونية… بالعرب والعروبة… فشرعية!!
اهلاً!
هل بقي هناك ما هو غير شرعي في هذا البلد سوى اهله ووجودهم وذاكرتهم وكرامتهم وخبز اطفالهم ومستقبلهم؟!
وهل تسيل الشرعية من حبر قلم معالي الوزير… ام يكتبها الدم على اديم الارض وكتاب التاريخ؟!
الدكتور ناصف وأنا لسنا وصفيين! ولكننا نحتفل بذكرى وصفي التل الآن… «دفاعاً عن وجود الاردن وسيادته واستقلاله في مواجهة المؤامرات الصهيونية القديمة-الجديدة».
والاحتفال بذكرى وصفي… في هذا السياق بالذات… ممنوع!
والتذكير بوصفي… الوطني الاردني المعادي للصهيونية… ممنوع!
والتذكير بوصفي… رجل الدولة الأردني الذي كان هاجسه درء الاطماع الصهيونية عن ثرى الاردن… ممنوع!
وصفي المسموح بذكراه… هو وصفي اصحاب المعالي والعطوفة… وصفي «الفلكلوري» الذي يمكن لقادم الآن من مشاورات ودية مع السفير «الاسرائيلي»… ان يقول فيه كلمة! واي كلمة!!
والسؤال يبقى، بالرغم من «الممنوع» و«المسموح»، هو: ايحق لمن يقف في خندق الاسرلة ان يتحدث باسم وصفي… او عنه؟!
اليست مفارقة الاحتفال بوصفي خارج السؤال الكبير: اين هو وصفي في اردن المعاهدة والخصخصة؟
واين هو وصفي في اردن غدت «الوطنية الاردنية» فيه «فكراً مستورداً «على حد تعبير رئيس الوزراء وغدا فيه رابين… الاصل؟
مشروع وصفي التل… لم يزد على ان يكون «النسخة الاردنية» من المشروع الناصري-البعثي، واهدافه:
– التصدي «لاسرائيل» واطماعها
-بناء الدولة الوطنية في الاطار العربي،
-اقامة قاعدة اجتماعية واسعة نسبياً للدولة من خلال تجييش البورجوازية الصغيرة (الريفية بخاصة) في قطاع عام مسيطر على مجمل النشاط الاقتصادي السياسي.
واما الخلاف بين مشروع وصفي… ومشروع عبد الناصر وحزب البعث، فخلاف رسمته ايقاعات الحرب الباردة، فمن اجل تحقيق مشروعه اختار وصفي وسائل يمينية: التحالف مع الغرب… بدلاً من الاتحاد السوفياتي واعادة صياغة الملكية شعبوياً بدلاً من الانقلابات العسكرية!
وهذا هو السبب في ان مشروع وصفي التل، ظل ملتبساً.
فبين العداء للصهيونية… والتناقض مع م. ت. ف والقطرية الفلسطينية… التباس جعل اسم وصفي التل مكروهاً في الاوساط الفلسطينية… الى درجة «التحالف الموضوعي» بين قوى م. ت. ف وقوى الحكم المعادية لمشروع وصفي في جوهره المتناقض مع الصهيونية!
وبين المشروع الاجتماعي الشعبوي (البورجوازي الصغير) … والتناقض مع احزاب البورجوازية الصغيرة (القومية واليسارية) التباس وضع هذه الأحزاب-ومنذ الستينات -خارج نطاق الفعل في الشارع الشعبي الاردني.
ويين المطامح الشعبوية والوطنية… والوسائل اليمينية… التباس جوهري اوهن المشروع نفسه، واصابه مقتل.
وخارج الالتباسات، يظل وصفي التل، السياسي الاردني الوحيد الذي تربع على كرسي الاجماع الشعبي الاردني.
وصفي… السياسي الاردني الذي صار زعيماً شعبياً للاردنيين، بكل مواصفات الزعيم الشعبي… ففيه وجد الاردنيون، وبصورة وجدانية، الرجل الذي يعبر عن وجودهم الوطني وهويتهم ومصالحهم.
وفي ذاكرة الشعب الاردني، ما يزال وصفي… حياً، يثير نوازع وجدانية سياسية عميقة لدى اجيال لم تعايشه ولم تعرفه.
واذا كان وصفي-كما يرى بعض الاصدقاء-قد جير زعامته الشعبية على بياض للقوى صاحبة البرنامج النقيض للشعب الاردني والتي ما كانت لولا زعامة وصفي بقادرة على فرض برنامجها…
اذا كان وصفي كذلك… فهذا لا يلغي ان زعامته، عميقة الاركان، وقائمة على قاعدة اجتماعية-سياسية شعبية! وعدم فهم هذه الحقيقة، يجعلنا عاجزين عن فهم الوجدان السياسي للشعب الاردني.
لقد وجد الاردنيون في وصفي زعيماً، وفي مشروع وصفي الاجتماعي-السياسي مشروعاً وطنياً اردنياً.
وهذا معناه ان الوطنيين الاردنيين المعاصرين لا يمكنهم تجاهل فهم وصفي ومشروعه، من اجل تطوير المشروع الوطني الاردني نحو آفاق جديدة.
يمكننا ببساطة، ان نحل التناقص النظري الناشئ عن شعبية وصفي ومشروعه والالتباسات التي اثارها ويثيرها هذا المشروع… كما فعلت اوساط م. ت. ف، باتهام الشعب الاردني بانه «شعب رجعي» او انه تم تضليله او اي شيء آخر من هذا القبيل!!! ولكننا نعتقد ان الاجماع الشعبي الطوعي الاصيل على زعيم سياسي ومشروع سياسي… لا يمكن الا ان يعكس جوهر الوجدان الجماعي والمصالح الجماعية للشعب المعني.
وصفي، فيما نعتقد، اجاب على قلقين يساوران الأردني:
– القلق على الوجود والهوية والمصير،
– والقلق على لقمة الخبز ومستقبل الاطفال،
واشاد مشروعه في محاولته بناء دولة تؤكد «الهوية الاردنية» وتؤمن الحد الادنى المعيشي… والمكفول للاردنيين.
وفي سياق تنفيذه لهذا المشروع، وقع وصفي في اخطاء وخطايا سياسية والتباسات وتناقضات جوهرية. واما، وقد اصبح الرجل في ذاكرة التاريخ، فالذي يبقى لنا منه، محاولة استنطاق مشروعه وبالذات، عناصره التي وحدت الاردنيين، والهبت عواطفهم السياسية.
من اجل تطوير هذه العناصر في برنامج وطني شعبي غير ملتبس.
***
في الجوهر، كان وصفي التل، وما يزال، عند الاردنيين، عنواناً للاستقلال… والدولة.
يمكن القول ان استقلالنا قد شرخ بتوقيع المعاهدة الاردنية «الاسرائيلية» والدخول في عصر الكونفدراليات «الاسرائيلية».
وكادت الدولة ان تنتهي بمشروع الخصخصة وتفكيك بنى الدولة والقطاع العام.
وهكذا، قتل اعداء الاردن، وصفي التل، مرتين!
ونقول : لقد اعطانا وصفي -ربما – ادوات لفهم جذري لوجدان شعبنا ومصالحه وآماله.
نحو الذكرى الـ ٢٥ لاستشهاد وصفي التل قتلوه مرتين!
Posted in Uncategorized.