نجحت الدولة، وفشل المجتمع

النظام الانتخابي بالقائمة النسبية على المستوى الوطني نظام ديموقراطي حديث اقترحته نخب المعارضة وطالبت بشموله 50 بالمائة من المقاعد النيابية. استجابة الدولة كانت جزئية، فاعتمدت ذلك النظام لـ 27 مقعدا في دائرة وطنية كان من المفروض أن تكون متنفسا لتمثيل الاتجاهات السياسية. فكيف تعامل المجتمع الأردني مع هذا النظام؟ الجواب: أخضعه للمنظومة العشائرية.
مبكرا، فكرت الروابط القرابية والجهوية، في أفضل الطرق للإفادة من نظام القائمة النسبية لمضاعفة تمثيلها في البرلمان، فذهبت إلى تأسيس قوائم ذات تكوين عشائري وجهوي واتني في هجمة ضاعفت عدد القوائم المتوقعة من 7 ـ 8 قوائم تمثل التيارات السياسية إلى 61 قائمة يمثل معظمها روابط قرابية وجهوية أو تحالفات من هذا النوع ، وتهتمّ، بالطبع، بنجاح رؤوس القوائم لا غير؛ ليست مسيّسة ولا تتبنى برامج سياسية ولا تعبر عن تيارات ولا عن قوى اجتماعية، بل عن دوافع قرابية وجهوية.

بالنتيجة، خسرت القوائم الحزبية والسياسية، كليا أو جزئيا (حصول حزب كبير كالتيار الوطني على مقعد واحد هو خسارة من الوزن الثقيل)، بينما نجحت القوائم العشائرية مع اختراقات محدودة للقوائم التي تمكنت من جمع موارد مالية كافية للقيام بحملات مؤثرة أو شراء الأصوات.

إلى أي نظام انتخابي ذهبنا، مهما كان حديثا وتقدميا، سنظل نواجه حقيقة أساسية؛ وهي أن المنظومة العشائرية ستحوّره وتحوّله إلى خدمة أغراضها. وهذا ينطبق، بالتمام والكمال، على الجزء الفلسطيني من المجتمع الأردني، ذلك أنه من الواضح أن هذا الجزء قد تأردن، وخضع، بدوره، للمنظومة السياسية العشائرية ذاتها؛ فالأردنيون ـ الفلسطينيون الذين حققوا الفوز في الانتخابات (بنسبة 25 بالمائة) هم أولئك المنظّمون في أطر قرابية وجهوية، وليس أولئك الذين يمكن وصفهم بأنهم متمدينون.

في المرتبة الثانية، نواجه مشكلة الموارد المالية. المال لاعب رئيسي في الانتخابات. ولا نتحدث، هنا، عن شراء الأصوات فقط (تبين أن المجتمع الأردني لا يعتبر هذه الممارسة سلبية، بدليل الإقبال على الاقتراع لمتهمين، رسميا، بهذه الممارسة)، بل نتحدث عن الكلفة الباهظة لأي حملة انتخابية قادرة على اختراق القيود القرابية والجهوية. وقد أصبح واضحا أنه لا توجد مصادر تمويل اجتماعية محلية للتيارات السياسية الجديدة، مما يعني أنها لن تكون قادرة على اختراق البرلمان أو التأثير في العملية السياسية.

ولا نقفل من دون الإشارة إلى مستجد يتمثل في دور الفضائيات المحلية في إحداث اختراقات نيابية ـ ولو محدودة ـ لكن الفضائيات تحتاج إلى تدفقات مالية لا تتوفر للقوى التقدمية.

بالمحصلة، نستطيع القول إن الدولة نجحت في تنظيم انتخابات ذات صدقية، لكن المجتمع الأردني فشل في الانخراط في عملية انتخابية تنتهي بتمثيل قواه السياسية الحية. ومع برلمان لا يضم ممثلي الحركة الشعبية، فإن الممارسة السياسية الوحيدة الممكنة بالنسبة للقوى الوطنية والتقدمية هو الشارع.

والمفارقة التي سنعيشها، حالما ينتهي موسم الانتخابات، هي أن القوى المؤثرة فعلا في الصراع السياسي ستكون خارج العملية السياسية الرسمية؛ فالقادرون على الحصول على مقاعد نيابية لا يستطيعون القيام بمهمات تنظيم المبادرات السياسية والتحشيد الجماهيري، بينما القادرون على القيام بهذه المهمات لا يستطيعون، بسبب القيود العشائرية والجهوية وشح الموارد المالية، تحقيق نتائج برلمانية .

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.