هناك، بالطبع، مصالح فلسطينية عُليا مهددة في الاقتراح الأميركي لحل القضية الفلسطينية؛ تحتاج هذه إلى وقفة فلسطينية، كما تحتاج إلى وقفة عربية، أهمّها وقفة أردنية تتمسك بالخطوط الحمر التالية:أولا، العلاقة الجغرافية السياسية الاقتصادية الحرة بين الدولتين:
لا يمكننا القبول، تحت أي ذريعة، بوجود طرق ثالث في الغور الفلسطيني، ولا يمكن القبول، مهما كانت الضغوط والنتائج، بطرف ثالث على الحدود الأردنية ـ الفلسطينية؛ فبدون حدود ثنائية سيادية تنغلق الطريق أمام الحلول الممكنة والتعاون الممكن للمشكلات العالقة في العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، سواء أفي المجال الديموغرافي أم السياسي أم الاقتصادي أم الاستثماري الخ
ثانيا، العودة السياسية:
لا يمكننا القبول بأي تدخل إسرائيلي، تحت أي ذريعة أمنية أو سواها، يمنح تل أبيب حق الفيتو على عودة أي فلسطيني إلى أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا في تحديد إقامته، ولا في حرمانه من الجنسية الفلسطينية؛ ففي لب السيادة الفلسطينية التي تعني الأردن مباشرة، حق الدولة الفلسطينية في إصدار الأرقام الوطنية لجميع مواطني ولاجئيي الضفة الغربية الذين غادروا أراضي الضفة المحتلة منذ الخامس من حزيران 1967، وادماجهم في العملية السياسية الفلسطينية.
عودة نازحي الضفة الغربية ليست شأنا فلسطينيا ـ إسرائيليا، وإنما هي شأن فلسطيني أردني ثنائي بين دولتين مستقلتين، لا بد أن يتم تنظيمه، منذ الآن، في مفاوضات ثنائية، على أساس منح جميع نازحي ال67 ، الجنسية الفلسطينية بدون قيد ولا شرط، على أن لا يتعارض ذلك مع الحقوق المكتسبة للنازحين لدى الدولة الأردنية، بما في ذلك حق مَن يريد منهم الاحتفاظ بالجنسية الأردنية، ومنح الباقين، ممن لم يحوزوا الجنسية الأردنية، جميع الحقوق المدنية. سيحقق ذلك ثلاثة عناصر مفيدة لحل المشكلة الديموغرافية السياسية للنازحين، (1)، تثبيت حقوقهم في المواطنة الفلسطينية خارج أي تدخل من الطرف الإسرائيلي، بما في ذلك الحق الفردي الاختياري في الإقامة في الضفة الغربية، (2)، عدم الإضرار بمواطنة النازحين الأردنية أو حقوقهم المدنية المكتسبة في الأردن، (3)، وقف الهواجس الشرق أردنية حول هوية الدولة؛ فمن المعروف أنه أصبح متعذرا على أصحاب الجنسية المزدوجة تسنم أي منصب سياسي في المملكة الأردنية الهاشمية. وينبغي تطوير هذا الإطار بحيث يغدو متعذرا على أي من مزدوجي الجنسية، ممارسة أي نشاط سياسي في البلاد، من دون الاضرار بكافة الحقوق الأخرى.
ثالثا، حل مشكلة اللاجئين:
فتح الباب أمام اللاجئين ممن يتمتعون بالجنسية الأردنية، بدورهم، للحصول على الجنسية الفلسطينية، على أن يكون من حقهم الاختيار الحر بالاحتفاظ بالجنسية الأردنية أو بالجنسيتين، إضافة إلى أي جنسية ثالثة، وتقديم الدعم السياسي لمن يريد منهم العودة إلى فلسطين ال48 ؛ عندها سنكون أمام ملف واضح محدد رقميا، يتحول إلى قضية ملموسة، تتجاوز النسب والحدود التي يفرضها اتفاق نهائي، وتبقى قائمة كقضية نضالية.
رابعا، الحل الديموقراطي لمشكلة المواطنة الأردنية:
لدى تطبيق المعايير والإجراءات السابقة، من المتوقع أن يكون لدى قسم من اللاجئين، الخيار النهائي باختيار المواطنة الأردنية. وسيكون هؤلاء أردنيين بصفة نهائية. ولا توجد طريقة أخرى لدمجهم سوى الانتقال إلى ديموقراطية جذرية تنأى عن المحاصصة، وتتعامل مع الفرد بوصفه مواطنا، بحيث تسقط جميع المطالبات بما يسمى الحقوق المنقوصة الخ
خامسا، حرية المشاريع التنموية وحل المشكلات الاقتصادية والمالية والنقدية الثنائية من دون مشاركة طرف ثالث:
تكمن مصلحة الأردن في السيادة الفلسطينية في ما يتصل يحقها إقامة مشاريع تنموية ثنائية وتبادلات تجارية والتوصل إلى حلول حول الشأنين المالي والنقدي بين الدولتين. وهو ما يستلزم الغاء اتفاقية باريس بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفك الارتباط الاقتصادي والمالي الفلسطيني مع الإسرائيليين.
سادسا، الكونفدرالية:
ليس لدى الأردن أي مصلحة في تحمّل أعباء حل المشكلات الإسرائيلية من خلال كونفدرالية ثنائية. بالمقابل، يمكن دمج الدولة الفلسطينية والفلسطينيين في إطار كونفدرالية مشرقية تشمل سوريا ولبنان والأردن والدولة الفلسطينية والعراق، كرد قومي واقعي على الكونفدرالية الثلاثية المقترحة، الأردنية ـ الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والتي من شأنها، ليس فحسب الابقاء على إبقاء الضفة وغزة الضفة وغزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وإنما أيضا اخضاع الأردن لتلك السيطرة. ويتطلب ذلك وقف جميع المشاريع الثلاثية التي تم توقيعها فعلا أو التي يجري العمل على صياغتها.
……………….
يقوم تصورنا السابق على المنطلقات الآتية:
أولا، إيجاد حلول فعلية لإعادة تأسيس الكيانية الاجتماعية السياسية للشعب الفلسطيني من دون المساس بحقه المستمر بمطالباته المشروعة،
ثانيا، دمج الفلسطينيين في الأفق الممكن الوحيد للتنمية والديموقراطية في الكونفدرالية المشرقية العربية،
ثالثا، عزل إسرائيل، واقعيا، سياسيا واقتصاديا، عن مجرى إعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للكيان الفلسطيني.
رابعا، تلافي أن يتحوّل الأردن إلى وطن بديل وحديقة خلفية للحلول الإسرائيلية.
…………………….
هل لدينا القدرة على المضي في هذا الطريق الوطني التنموي الديموقراطي الواقعي؟ نعم، بالتأكيد؛
فأولا، علينا الانتباه إلى تنامي الخلخلة الحاصلة في النفوذ الأميركي في المنطقة، وتبلور عالم ما بعد القطبية الواحدة الذي سبق وفرض علينا معاهدة وادي عربة،
ثانيا، إن القسم الأساسي من مقترحاتنا السابقة تتعلق بتفاهمات أردنية ـ فلسطينية ثنائية، تتوفر الظروف الموضوعية لحلها من دون الحاجة إلى موافقة الطرف الثالث، الإسرائيلي،
ثالثا، إن جميع الحلول المقترحة من قبل الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية، ومضامين المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، تعتمد على القبول الأردني بالنتائج، سواء ألجهة الحدود أم لجهة النازحين واللاجئين والأمن والمشاريع المشتركة. وفي الواقع، ليس الأردن مضطرا لأن يكون على طاولة المفاوضات أو موجودا في الغرفة ـ كما يقول البعض ـ ما هو مطلوب تحديد وإعلان برنامج سياسي أردني واضح وعياني في شتى المجالات، يقوم على أساس الحفاظ على المصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية.
رابعا، إن الفرصة متاحة اليوم لإبلاغ وإقناع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، على ما بينها من تعارضات، بالموقف الأردني، والتذكير بأنه، لدى عمان، واقعيا، حق النقض الفيتو على أي تفاهمات يجري العمل على إنجازها اليوم تحت الطاولة.