ناهض حتر يكتب : 4 حلقات وراء الحديث عن حل البرلمان

من الواضح أن الدولة الأردنية تحتاج اليوم إلى إحداث تغييرين كبيرين:
الأول في الديوان الملكي، بما يمنح الديوان ثلاث صفات غائبة، المؤسسية والمهنية والحيادية؛ فالديوان، بصفته الهيئة المدبرة لعلاقة الملكية بالدولة والمجتمع، لا بد وأن يكون مؤسسة شفافة ذات تراتبية واستقلالية واضحتين، ولا بد أن يكون أداؤه مهنيا منهجيا، ولا بد أن يكون، أخيرا، محايدا من الناحية السياسية، وعلى مسافة واحدة من جميع الأطراف.

والثاني في الحكومة، رئيسا وتشكيلة وبرنامجا؛ ذلك أن حجم ومخاطر الملفات الاقتصادية والاجتماعية السياسية والأمنية، التي تواجهها المملكة في ظل أزمات ومتغيرات إقليمية ودولية استثنائية.

يحتاج الأردن، بالفعل، إلى حكومة استثنائية مكونة من شخصيات سياسية ذات وزن، مطعمة بالحد الأدنى الضروري من التكنوقراط، ومؤسسة على برنامج واضح وعملي وموقوت.

أما الكلام على ربط هذين التغييرين أو سواهما بحل البرلمان الحالي؛ فهو لا يدخل في باب النقاش السياسي ولا حتى المماحكات، وإنما يصدر عن حلقات مشبوهة ؛

الحلقة الأولى تريد الانتقام من برلمان أُريد منه أن يكون منبرا للتوطين والوطن البديل، ولكنه تماسك وابدى، بالعكس، العديد من المواقف الوطنية، سواء ألجهة المطالبة بمراجعة العلاقات مع العدو الإسرائيلي أم لجهة رفض التدخلات الأجنبية والخليجية في سوريا أم لجهة الدفاع عن كرامة الأردن تجاه تطاولات إقليمية، أم لجهة تنديده بالتمويل الأجنبي أم لجهة نهوض عناصر البيروقراطية التقليدية بخطاب قريب من خطاب الحراك.

الحلقة الثانية تريد الانتقام من برلمان نجح في التوصل إلى تشريعات توافقية ، لا تخضع لتوصيات النيوليبراليين والصندوقيين، وأهمها قانون أساسي هو قانون الضمان الاجتماعي.

الحلقة الثالثة تريد الانتقام من برلمان أبدى قدرا، ولو يسيرا، ممانعة إزاء الخضوع الحكومي لصندوق النقد الدولي، واعتراضاته على تبديد المنح الخليجية في استعادة لبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي سيء الذكر، في مشاريع غير مدروسة وملغمة وتصب في مصلحة الكمبرادور.

الحلقة الرابعة تريد شطب برلمان كان المقصود منه أن يكون فوضويا، حتى تمكنت جهات وطنية من ضبط ايقاعه بما وضع حدا لبعض النواب المسيئين ووضع المجلس النيابي، كمؤسسة، في سياق وطني.

لم أكن من المؤيدين لقانون الانتخابات الحالي، وتابعت مع الجمهور أسوأ الحملات الانتخابية مطلع هذا العام، وصُدمت مع المصدومين بنجاح عدد من النواب، ومساعيهم لتحويل المؤسسة البرلمانية الأردنية إلى مقهى، إلا أن آليات الدولة الأردنية والمجتمع الأردني، أعادت ضبط الإيقاع، ولو بالحد الأدنى.

لا مجال اليوم ، في ظل الحروب الإقليمية، القائمة والقادمة، وفي سياق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حتى للدخول في نقاش حول قانون انتخابات جديد، نعلم جميعا ما هي القطبة المخفية / الظاهرة التي تحوله إلى نقطة تفجير علينا أن نبذل كل الجهود الممكنة لتجنّبها.

ولا مجال اليوم، في البقعة الوحيدة المستقرة في إقليم يتفجر، للدخول في هوجة انتخابات برلمانية جديدة؛ ففي الأساس، دعم شعبنا انتخابات ليس مقتنعا بها لكي نتجاوز عنق الزجاجة للمخاطر الإقليمية والدولية، وحبسنا الأنفاس حتى انتهت على سلام.

لقد جمّد الحراك الأردني نشاطه، من دون أن يتخلى عن مطالبه، حرصا على سلامة الوطن في لحظات عصيبة؛ ولكن مَن يفكّر بالعودة إلى ظروف ما قبل 2010، ليس سوى واهم، ولا يعرف كيمياء الشعب الأردني.

Posted in Uncategorized.