الإنجاز الروسي ـ السوري في نيويورك،الأسد باقٍ وسوريا علمانية
عمون – (خاص) – في عناوين التفاهم الروسي ـ الأميركي ، المكرّس في قرار أممي الآن، توافق صريح على نقاط غير ملتبسة، هي :
ـ سوريا سيّدة موحدة؛ وهذا ما يضع نهاية لأطماع العثمانيين الجدد في الأراضي السورية، ويضع المشروع الكردي السوري في إطار يمنع الفدرلة.
ـ .. وعلمانية؛ وهذا ما ينهي المشروع الرجعي لتحويل الدولة السورية إلى دولة دينية وطائفية ومذهبية؛ فسوريا ستخرج من الحرب، أكثر علمانيةً من أي وقت مضى، ولن يكن هناك في السياسة السورية مكان لأي من دعاة الإ سلام السياسي.
ـ خضوع العملية السياسية لإدارة أممية تحد من التدخلات الإقليمية والدولية. يعني تحجيم كامل للدور التركي ـ الخليجي.
ـ الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وجيشها،
ـ تشريع أولوية الحرب على الإرهاب.
ـ مستقبل سوريا ونظامها ورئيسها في أيدي السوريين، باتفاق جميع الأطراف، وعبر صناديق الاقتراع.
وهناك، كذلك، نقاط صراعية ـ تفاوضية، هي:
ـ طبيعة ‘الحكم ذي المصداقية’؛ فهل هو حكومة اتحاد وطني أم هيئة حكم. المسميات، هنا، ليست ذات قيمة؛ فالجوهري يتعلق بالصلاحيات السيادية ( الخارجية والدفاع والأمن.) ويريد الأميركيون، لأسباب إسرائيلية لا سعودية أو تركية أو قطرية ، تخفيض صلاحيات الرئيس في هذه المجالات، ويصر الروس على أن ذلك هو قرار سوري ـ سوري.
ـ هل يشارك الرئيس بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المبكرة أم لا؟ واشنطن تريد دفع المفاوضات بحيث تنتهي إلى الاتفاق على حرمانه من المشاركة، بينما الموقف الرسمي الروسي المبلّغ للأميركيين قاطع باعتبار أن ترشّح الأسد شأن يقرره هو بنفسه.
ـ هل يتم اعتبار تنظيمات مسلحة، أهمها حركة أحرار الشام وجيش الإسلام ، في خانة الإرهابيين أم لا؟ روسيا تصر على أنها إرهابية، بعكس الموقف الأميركي الفضفاض.
هل هو إنجاز؟
الإنجاز السياسي، الروسي ـ السوري، المتحقق، كبير جدا؛ أهميته الأساسية أنه يترافق مع الإنجازات الميدانية المتصاعدة، والتي ستتواصل. ولعل في تضافر العملية الميدانية والسياسية، ما يخلق دينامية متسارعة لتفكك الجماعات المسلحة التي سيرى المزيد من قادتها وأفرادها تلاشي أي أفق أمامهم. وينبغي استغلال هذه الدينامية على نطاق واسع لتعميم نموذج المصالحات وسحب السلاح وتطبيع الحياة في العديد من المناطق السورية.
هل قدمت موسكو أي تنازلات سياسية؟
لا. بالعكس تماما؛ هي انتزعت أكثر من 70 بالمائة مما تريده، والباقي موضع صراع وتفاوض. والموقف الروسي في قضايا الصراع تلك أوضحه وزير الخارجية، سيرغي لافروف، بعد صدور القرار الأممي، كالتالي:
ـ الإطار الأهم هو أن ‘ سيادة سوريا دولة موحدة علمانية متعددة الأديان والقوميات، والشعب السوري وحده يمكن أن يقرر مستقبله، بما في ذلك مصير الرئيس بشار الأسد،’
ـ ‘ لا مكان للإرهابيين على طاولة المفاوضات، شأنهم شأن أولئك الذين يدعون إلى حل النزاع في سوريا بالقوة العسكرية’ . والتحديد الثاني أهم، لأنه يشطب الالتباسات؛ فكل مَن يواصل القتال ضد الدولة السورية بهدف إحداث تغيير سياسي، ليس له مكان في المفاوضات، حتى لو لم يتم تصنيفه على أنه إرهابي.
ـ ‘ مكافحة الإرهاب يجب أن تكون متواصلة وألا تخضع لاعتبارات آنية، وأنه لا يجوز التمييز بين إرهابيين ‘جيدين’ و’سيئين’.
وتتطابق هذه النقاط مع المبادئ المقررة بين القيادتين الروسية والسورية منذ بداية الأزمة والحرب على سوريا.
ما الذي ينبغي القيام به سورياً؟
وافقت سوريا فورا على القرار الأممي؛ فالقيادة السورية أخذت منه جل ما تريد؛ سوى أنها تدرك أن ما لا يستقيم أمره في هذا القرار مع المصالح الوطنية السورية، هو موضع صراع سوف يرتب عليها الشروع في تحسين الأداء الحكومي والخدمي، واطلاق حراك سياسي شعبي واسع لإعادة بناء الجبهة الوطنية السورية.
ويتطلب ذلك؛
أولا، الشروع في نقاش ثنائي حيوي مع القوى الكردية للتوصل معها إلى حل وطني يُخرج هذا الملف من التجاذبات الدولية والإقليمية؛
ثانيا، تفسير القرار الأممي حول العلمانية بالتسريع في التوصل إلى اجماع القوى الوطنية على برنامج العلمنة الشاملة، بما في ذلك الغاء النصوص الدستورية التي تشير إلى ديانة رئيس الدولة أو إلى مصادر تشريع غير مدنية، وإلغاء قانون الأحوال الشخصية لصالح قانون أحوال شخصية مدني وعلماني بالكامل.
وستشكل المطالبة بالعلمانية الشاملة ضربة للمشروع الوهابي الإخونجي العثماني علىت مستوى الإقليم كله ، وتحشد صفوف القوى والفئات المدنية حول الدولة الوطنية.
ثالثا، التأكيد علىت برنامج التحرير واستعادة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران، كنقطة رئيسية على جدول الإجماع الوطني.
رابعا، إعادة الاعتبار للهوية السورية المشرقية، وهوية الجمهورية كمركز لوحدة الهلال الخصيب، وتمييزها عن الأقاليم الأخرى في العالم العربي.
خامسا، بلورة البرنامج الاقتصادي الاجتماعي التقدمي على أساس أولوية المصالح الوطنية والتنموية والاجتماعية، لا مصالح الرأسماليين والمتنفذين.
سادسا، الشروع في عملية تطهير أجهزة الدولة من الفاسدين، ووقف الامتيازات الفئوية.