رصدتُ، خلال الأسبوع الفائت، تصريحات وتحركات لنواب وأعيان ومسؤولين، وشخصياتٍ من نادي الحكم،وتياراتٍ من داخله وخارجه، ومعارضين ونشطاء الخ، كلها تستبطن استغلال حالة الاحتقان الاجتماعي في بلدنا، واستخدام قراراتٍ مالية حكومية، لتصفية الحسابات الخاصة مع رئيس الوزراء، أو اهتبال الفرصة للدعاية السياسية أو لاستعادة مواقع رسمية أو شعبية؛ بل إنني قدّرت أن دوائر واتجاهات في الدولة العميقة، كانت تغض الطرف، بل وربما تشجع على هبة شعبية من دون أن يحسب عاقلٌ التطورات الممكنة نحو الفلتان الأمني وانتعاش الإخوان وتسلل الإرهاب، وخسارة الاستقرار الأردني الثمين في محيط مشتعل، وفي ظروف دولية متحركة بالغة الخطورة.
كُثُرٌ، وعلى كل المستويات ومن كل الجهات، أولئك الذين لا يهتمّون بالمصالح الوطنية، وبستعجلون تصفية حساباتهم الصغيرة، حتى لو كانت ستشعل النيران بالبلد، وتنقله من موقع إقليمي غني بالاحتمالات الإيجابية إلى موقع إقليمي خاسر لشعبه وكيانه.
لا تلعبوا مثل هذه الألعاب الخطيرة؛ فالكتل الاجتماعية في الأردن في حالة فوضى، ولا توجد ضوابط ولا قوى وسيطة ـ كما كان الحال في فترة الحراك الشعبي السابقة ـ والتحالفات الإقليمية متغيرة، بينما التحالفات الدولية غير مستقرة. وفي وقت كهذا، ليس هناك سوى خيار واحد للوطنييين هو الحفاظ على الوطن.
هل كانت مغامرة الأسبوع الفائت، نوعا من الضغط لتمرير مشروع قانون الانتخاب، خصوصا في قسمه الأخطر المتعلق بنظام تقسيم الدوائر الانتخابية؟ هل تراجع رئيس الوزراء، بالنتيجة، عن قرارات مالية أم عن رفض توسيع الدوائر الانتخابية الهادف إلى زعزعة النفوذ العشائري والبيروقراطي لحساب المال السياسي والتوطين، والشروع في تغيير المعادلة الوطنية؟
حسنا، لا تغامروا بالبلد، ولا تحاولوا أن تفرضوا ما سيؤدي، حتما، إلى الفوضى والنزاع والضياع؛ بل لعله أسوأ وقت ممكن لمحاولة تغيير المعادلة السياسية الوطنية؛ فالحرب الدولية ـ الإقليمية في الجوار السوري والعراقي، تنطوي على احتمالات التمدد، ولا تكفي الاجراءات الأمنية والعسكرية، وحدها، لمواجهة الخطر، في ظل وجود حواضن اجتماعية محلية للتطرف والإرهاب.
على الجبهة الغربية، الخطر داهم؛
ـ فالحضور العسكري الروسي، وإنْ تفاهم فنيا مع الإسرائيليين، إلا أنه غيّر المعادلات الاستراتيجية؛ فالجبهة الشمالية أغلقها الروس الذين سيضعون تل أبيب أمام خيار الانسحاب من الجولان ومزارع شبعا والانضمام إلى شبكة الغاز في المتوسط، أو مواجهة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في جنوب سوريا؛
ـ وتراجع قوة الخليج المستنزَف، وما نشهده من هجوم سياسي اعلامي على بعض دوله، يجعل من فكرة التحالف الإسرائيلي الخليجي، وهما، بلا طائل؛
ـ ليس أمام إسرائيل سوى الانكفاء الذاتي. وهي لن تسمح بدولة ثنائية القومية، وخيارها الأفضل الآن هو التفكير في ضم المستوطنات الكبرى، والانسحاب المفاجئ من طرف واحد من كانتونات الضفة الغربية التي سوف تنفجر فيها الصراعات، بين فتح وفتح، وفتح وحماس، وبينهما وبين قوى محلية عديدة، بما فيها القاعدة وداعش. وعندها سيكون الأردن ، في أحسن الأحوال، مضطرا لاستقبال المزيد من اللاجئين، لكن، في واقع الحال، فالأردن سيواجه السؤال المصيري إزاء مستقبل ما بقي من أرض الضفة وسكانها. إن الخطوة الإسرائيلية المتوقعة في الضفة هي ضربة لمشروع الدولة الفلسطينية وضربة للأردن معا.
فهل هذا هو الوقت الملائم للعبث بالأمن الداخلي أو السعي لتغيير المعادلة السياسية الوطنية تحت عنوان ‘ الإصلاح السياسي’؟