يقترح الدكتور فهد الفانك، الوقوف من دون تحفّظ مع السعودية في صراعها مع إيران، بداعي القومية. وهو موقف يقتضي من الفانك، التراجع عن رفضه إسقاط الرئيس بشار الأسد. وهو هدف رئيسي للسياسة السعودية.
جوهر الخلاف مع السعودية لا يكمن في أننا لا نرى المشروع الإقليمي الإيراني، ولكن في استخدام مخاطره لتناسي المشروع الإقليمي الإسرائيلي، بل والسعي إلى التحالف معه في مواجهة إيران.
الخائفون من التمدد الإيراني هم أنفسهم الذين ساهموا، من دون حدود، في تدمير الدولة الوطنية العراقية وجيشها؛ محطّمين قوة عربية كبرى كانت تلعب دورا استراتيجيا في تحقيق التوازن مع إيران.
وبدلا من تعلّم الدرس، يكررون الفعلة نفسها مع سوريا منذ خمس سنوات. صحيح أن سوريا هي حليفة لإيران، ولكن ذلك الحلف كان نديا، وصراعيا؛ فحتى العام 2011، كانت سوريا تستخدم كل قواها لدعم القوى العراقية المناوئة للأميركيين وللنفوذ الإيراني. وقد سمع كاتب هذه السطور، شخصيا، العام 2009، من مسؤول الملف العراقي لدى دمشق، اللواء محمد ناصيف، تحليلا شاملا وصريحا حول الوضع في العراق، ينطلق من رؤية قومية عربية حاسمة. وأذكّر القراء، هنا، بأن الحكومة العراقية، المدعومة من طهران، كانت قد اشتكت دمشق إلى الأمم المتحدة، العام 2010.
السياسة الخارجية السورية معقّدة التحالفات، ولكنها تنطلق من تحقيق المصالح السورية والعربية. والتحالف السوري الإيراني، طوال عقود، كان تناقضيا صراعيا، تفيد منه دمشق في مواجهة إسرائيل، من دون تقديم تنازلات قومية.
قبل عاصفة السوخوي الروسية في سوريا، سعى الرئيس فلاديمير بوتين، بصورة حثيثة، إلى إقناع السعوديين بالمصالحة مع الرئيس بشار الأسد، ضمن مقاربة تىسمح بإعادة بناء النظام العربي على الثلاثية التقليدية :
الرياض ـ القاهرة ـ دمشق.
ورأى الكرملين أن هذه الثلاثية قادرة على حل المشكلات في سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين، واستعادة الاستقرار في المنطقة. وقد استجابت دمشق لهذه المقاربة، وأرسلت أرفع شخصية أمنية لديها، اللواء علي مملوك، لمقابلة ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، في السعودية. ولكن اللقاء لم يوفق.
بعد فشل المقاربة العربية لموسكو، قررت الأخيرة إرسال قواتها الى سوريا. وهو ما قلّص النفوذ الإيراني في سوريا التي تفضّل التحالف التاريخي مع الروس؛ لقد تبدى ذلك، سياسيا، في الموقف السوري السلبي من المبادرة الإيرانية لإعادة كتابة الدستور السوري على أسس طائفية، كما هو الحال في العراق، بينما قرر التحالف السوري ـ الروسي، خيارا مضادا جرى انتزاعه بقرار من مجلس الأمن الدولي، هو كتابة الدستور السوري على أسس العلمانية.
الخائفون من المشروع الإقليمي الإيراني الناعم ومحدود التأثير الثقافي والملتزم بمناهضة إسرائيل، هم أنفسهم الذين ذهبوا إلى تحالف استراتيجي مع المشروع الإقليمي التركي الخشن والمدعوم، غربيا، والمتحالف مع إسرائيل، والطامع في اقتطاع أراضٍ سورية ( حلب) وعراقية ( الموصل) ويتدخل في البلدين، ويدعم مع الاخر.
الموقف القومي العربي الصحيح يكمن في وقف الحروب الأهلية، وإعادة بناء النظام العربي، وحل المشكلات بروح الإخاء، وعلى أساس أولوية الصراع مع إسرائيل.