دقَّ الرئيس الإخونجي رجب أردوخان، المسمار الأخير في نعش الإسلام السياسي؛ ف’الخصومة’ التركية ـ الإسرائيلية، كانت قشّة الإخونج، يتعلقون بها بينما يغرقون في الماء الآسن للتحالف الإمبريالي ـ الرجعي. وعلى حين غرة، فاجأتهم أنقرة بالعودة إلى أحضان الحبيب القديم في تل أبيب، ثم فاجأتهم بالاعتذار المهين للقيصر الروسي، وعما قريب، ستفاجئهم بالاعتذار للرئيس عبدالفتاح السيسي .. وللرئيس بشار الأسد! فأين المفر؟ جميع رهانات الإخونج ذهبت أدراج الرياح في خمس سنين، بدأت بموجة تمكين أميركية عارمة، صعدت بهم على طائر الوهم السعيد، ثم ها هم يتخبطون في مأزق الخروج من التاريخ بدداً، مخلّفين وراءهم رايات داعش والنصرة ومَن لف لفهما!بيانات التأييد للسلطان التركي على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، لا تزيل الحرَج، بل تثبت، فقط، أن الإخونج بلا مبادئ؛ فهم ليسوا ضد التطبيع بحد ذاته، وإنما يستخدمون معاداة التطبيع لأغراض سياسية؛ فإذا طبّع عدوّهم، فهي الخيانة، وإذا طبّع رجلهم، فهو العون الذي يتطلب التشكرات! والثورة الجماهيرية شرعية إذا توجتهم، وتغدو انقلابا إذا طردتهم!طيّب! في النهاية، تبقى الحقيقة العارية: بشار الأسد الدكتاتور الطاغية البعثي، قائد ‘النظام النصيري’ و’الكُفري’ .. لم يوقّع ولم يطبّع، وما يزال في خندق العداء لإسرائيل… أما سلطان الإخونج، فمعذور! يقاتل الإخونج، الأسد، بحجة أنه جمّد جبهة الجولان حفاظا على مصالح نظامه ودولته، أما الزواج المثلي لأردوخان ـ نتنياهو، فضرورة أملتها مصالح الدولة التركية! وهو ما يتفهّمه الإخونج بروح عالية، شاكرين ما ستمرره إسرائيل من أكياس الطحين وعلب السردين إلى غزة!هؤلاء هم الإخونج، هكذا كانوا دائما؛ إنما ما يؤلمني ويشعرني بالإهانة هو أنني خُدعتُ زمنا بـ’حماس’؛ أتألم لغياب حسي النقدي ووقوعي في الخديعة، ثم أفكر بأن واحدا من أساطين أجهزة الاستخبارات العربية والعالمية، أعني الجهاز السوري، خُدِعَ ب ‘حماس’ أسوأ وأغلى خديعة قد يقع فيها رجال استخبارات عقلاء؛ فقد أغدقوا على ‘حماس’ بمعسكرات التدريب والمدربين ومخازن السلاح واللوجستيات والتقنيات والخبرات، وأطلقوا لها العنان في المخيمات الفلسطينية في سوريا، حتى سيطر الحمساويون عليها، فكرا وتنظيما، بين 2000 و2010؛ ثم ما إنْ صدرت الأوامر العثمانية حتى وضعوا كل ما حصلوا عليه من الدولة السورية، في خدمة أعدائها من التنظيمات، مقاتلين وأسلحة وأنفاقا وتقنيات الخوالآن، يتوهّم فريقٌ من ‘حماس’ بإمكانية الخروج من المأزق بالعودة إلى محور المقاومة، خصوصا وأن إيران وحزب الله يرحّبان، لكن دمشق لن تغفر أبداً، وإذا كانت لا تستطيع منع حلفائها من مساعدة الحمساويين بالمال والسلاح، فإن دمشق، وحدها، هي التي تستطيع تمنح الحمساويين، الأرض والغطاء السياسي. ومن الواضح أن قرار النظام السوري صارم لجهة رفض التعاون مع ‘ حماس’ قطعياً.سياسيا، لا عودة لمحور المقاومة، وجوسياسيا، لا تستطيع ‘حماس’ الانفكاك من التعاقد التركي ـ الإسرائيلي بملاحقه الأمنية التي تحوّل ‘حماس’ من مقاومة مزعومة إلى أمن و شرطة ومطاوعة في غزة.’حماس’ انتهت لا كحركة مقاومة فقط، بل وكحركة مستقلة؛ إنها مرهونة للتنسيق الأمني والسياسي التركي ـ القطري ـ الإسرائيلي. وهكذا، تعلو عليها ‘السلطة’، في رام الله، بدرجتين؛ فالتنسيق الأمني بين فتح وتل أبيب، مباشر، وبينما غزة مهددة بانشقاق ‘الجهاد الإسلامي’ وحلفائه، وبالدواعش، تبدو سلطة رام الله أكثر استقراراً.كنّا نقول دائما أنه في اللحظة التي خرجت فيها ‘حماس’ من دمشق، وعليها، فقد خرجت من محور المقاومة؛ وكانت تظن سابقا أن العواصم التي وقعت، أو ستقع تحت سلطة الإخونج، ستكون مفتوحة لها؛ اتخذت ‘ حماس’ خيارها الاستراتيجي نحو الإنخراط في المشروع العثماني الأهوج؛ المشروع ذاك سقط، لكن لا مخرج لـ’حماس’ من غرفة النوم التركية الإسرائيلية إلا إلى الرصيف!يبقى لـ’حماس’ فضيلة أنها قدمت حجة جديدة لانتصار العلمانية: أثبتت ‘ حماس’ و’أنقرة’ من فوقها أن القيم الدينية لا تسيّر الحركات والدول، بل بالعكس: الحركات والدول هي التي تستخدم الدين لأغراض دنيوية؛ وتذكرون أن العرب كانوا يصنعون آلهة من التمر يأكلونها إذا جاعوا! تماما كما أكل الإخونج والحمساويون مواقف كانوا يبيعونها حتى جوّعهم سلطانهم العظيم!